Friday 12th March,200411488العددالجمعة 21 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

هكذا فليكن الوزراء هكذا فليكن الوزراء
أحمد التميمي

القليل مِن مَن يتسنمون المناصب العالية يرونها تكليفاً قبل أن يروا فيها لأنفسهم تشريفاً، وكثيراً ما نسمع النقد لمعاملة ذلك المسؤول، أو سوء رده.. ولكننا نغفل عن أن نسدي الشكر لمن يستحقه وقد ثبت في السنّة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لا يشكر الناس لا يشكر الله)، بل هناك بُعدٌ آخر لشكر المحسن إذ فيه تثبت له، وحث لغيره ممن يلي أمراً من أمور المسلمين ليرفق بهم مقتدياً بذلك المحسن.. ليرفق به الله تعالى كما ثبت في الحديث الصحيح.
أما قبل..
فقد قدمت بهذه المقدمة لأقطع ظن من يظن أن هذا الثناء لشخص هذا المسؤول أو ذلك الوزير..
فهذا قط لم يكن مرادي من تسجيل هذه الكلمات، إذاً المراد هو حثّ الآخرين ليكونوا كذلك.. وليلحقوا بركب العمال الرافقين برعاياهم لينالوا المرتبة العالية بأدائهم لأمانتهم أمام الله تعالى وقيامهم بما كلف به من قبل ولي الأمر..
فضلاً عن حصول الأجر العظيم في الإحسان إلى الخلق فقد ثبت (أن من فرج عن مسلم كربة فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة) وثبت أيضاً (أن من سعى في حاجة أخيه المسلم حتى يثبتها، ثبت الله قدم يوم تزل الأقدام).
كيف وذلك الموظف المُطالَب بالسعي في حاجات المسلمين مكلفٌ بها أمام الله تعالى، ومؤتمنُ عليها...
زد على هذا أنه إن جمع مع قضاء حوائج المسلمين حسن الخلق والتعامل الجميل فقد نال أعلى الدرجات.
جاء في الحديث (إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم) وفي الحديث الآخر (أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق)، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً).
وأقرأ كيف يأمر الله بالقول الحسن.. بل ويأمر بقول الأحسن في قوله تعالى: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً} وقوله {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} فقد أمر بالحسن والأحسن من القول.
ولهذا كله ربط ابن القيم وغيره بين العقيدة وحسن الخلق وطيب التعامل فقال: (الدين كله خلقه فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين).
أما بعد:
فهاتان مقدمتان سقتهما لأذكر أمراً حصل لي مع أحد كرام الوزراء عند زيارتي له في مكتبه يوم الأربعاء الثاني عشر من شهر الله المحرم من عام خمسة وعشرين وأربعمائة وألف للهجرة.. وذلك أنني أعد بحثاً في مرحلة الدكتوراه يتعلق بعمل تلك الوزارة التي يتسنم هذا الوزير الفاضل رأس الهرم الإداري فيها..
وقد ترددت في الدخول عليه للاستفادة من تجربة الوزارة فيما يتعلق بموضوع بحثي... لكنني تشجعت وقررت الدخول عليه... وكان الوزير يستعد لاجتماع دنا موعده حتى رأيت مدير مكتبه يطلب من جميع مراجعيه الاختصار أثناء اللقاء به.
فتح الباب... وعندئذ بدأت قصتي معه... حيث دخلت عليه مع بعض المراجعين فهب واقفاً للجميع... مظهراً غاية الترحيب بكل المراجعين في مشهد قد تفتقده لدى أصغر حارس بالباب؛ تمر به فتسلم عليه فيرد عليك رداً بارداً وقد لا يكلف نفسه ربما بالترحيب بك أو رد التحية بمثل ما حيي به.
فضلاً أن يحييك بما هو أحسن منها أو يقوم للسلام عليكم...
أعود لسرد قصتي... فبعد الترحيب وبمجرد علمه بأنني باحث في مرحلة الدكتوراه، وأن بحثي يتعلق بأعمال الوزارة بادر بتسهيل أمري وطلب مني عدم التردد في كل ما احتاجه، وتحدث معي باستفاضة رغم ارتباطه باجتماع كان مقرراً إبان دخولي عليه...
بل واتصل شخصياً بمن يساعدني في بحثي، ودوّن كتابياً ما يخدمني في ذلك..
اسمح لي أيها القارئ الكريم أن أتوقف عن سرد القصة لأقول: أحذر أن يقفز إلى ذهنك أو يثور في خلدك أنني إنما عُمِلْت بمثل هذا لكوني مستنداً إلى شفاعة أو واسطة. إذ إني لم أقرر الدخول عليه إلا قبل ساعات من حضوري إلى وزارته وكانت مراجعتي دون الاستعانة بأي شافع إلا خلقه ولطف تعامله.
بل وأبعد من كل ما سبق وأعظم منه، أن يحسن الإنسان إلى من أساء إليه، إذ الإحسان إلى من أحسن إليك عدلٌ لا منة فيه، (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)، لكن العظيم الذي قد لا تطيقه إلا النفوس المهذبة والقلوب المستنيرة بالعلم والهدى؛ أن تُقابل الإساءة بالإحسان. وهذا ما رأيته ماثلاً في شخص ذلك الوزير - شهادة لله - حيث رأيته وسمعته يدعو بالمغفرة والمسامحة لشخص أساء إليه، في مشهدٍ قلّ نظيره.


فرضت عليّ زكاة ما ملكت يدي
وزكاة جاهي أن أعين وأشفع
فإذا ملكت فجد فإن لم تستطع
فاجهد بوسعك كل أن تنفع

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال: (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن يسعهم بسط الوجه ولين الجانب).
لقد تعمدت عدم ذكر اسم الوزير واسم وزارته حتى لا يُساء فهم الهدف من هذه الكلمة، والله أسأل أن يجعل العمل والقول على نهج رسوله صلى الله عليه وسلم خالصاً لوجهه عز وجل.
والله الموفق.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved