Friday 12th March,200411488العددالجمعة 21 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

وللمصنعيين كلمة وللمصنعيين كلمة
عبدالعزيز بن حمد آل فريان

قد يكون من غير المناسب أن يضعف الأمل في حل معضلة حوادث السيارات المؤلمة حينما نسمع مَن يقول: لا تُتْعِبْ نفسك؛ لن تجدي كثرة الكتابات، لقد سئمنا من قيل وقال. هكذا يحلو للبعض، ولكن ثبت أن التشاؤم بداية لنفق مظلم يفضي إلى طريق مسدود مملوء بالأذى النفسي والألم الجسدي والحسرة. نعم، إن أرقام الوفيات بسبب حوادث السيارات قد ارتفعت بشكل مذهل، والإعاقات الدائمة تدمي القلوب فظاعةً وكثرةً، ولا سيما بين الشباب. من هذا المنطلق، وبعد تتبُّع لكثير مما كُتِب في وسائل الإعلام وما قُدِّم ويُقدَّم في الندوات من البحوث وأوراق العمل من قبل المختصين والخبراء، بدا لي أن فئة ممَّن لهم علاقة بإصلاح ما ينتج من آثار الحوادث المدمرة على المركبات من المفيد أن يكون لهم مشاركة في هذا الشأن على اعتبار أنهم مباشرون للسيارات على مختلف مهنهم ومستويات علمهم وثقافتهم؛ إذ ربما يكون في جعبة البعض منهم ما يمكن قوله ويحسن استماعه، سواء اتفقنا معه أو اختلفنا، ما دام كلٌّ منا ينشد المصلحة العامة، ويسعى في الوصول إلى الصواب في المعالجة بقدر المستطاع. يقول أحد أصحاب الخبرة في إصلاح السيارات، وهو ميكانيكي، ويشاركه الرأي زميل له مختصٌّ في السمكرة: إن غالبية السيارات التي تتسبب في إزهاق الأرواح وتتسبب في قضايا الإعاقة والترويع يصدق عليها قول القائل: (عسل فيه سم)، مظهرها يخالف مخبرها، سيارات جذَّابة جميلة وثيرة المقاعد يُباهي مورِّدها وصانعها ومشتريها بشكلها وموديلها، ويقيم الدليل القاطع على سرعتها الفائقة وخفتها وجمحتها عند الانطلاق، فلها وثبة تعجب المغامرين، الكثير منها صناعة بلدان حديثة العهد بصناعة السيارات، تجري تجاربها الأولى في الدول النامية، عديمة أو ضعيفة المواصفات والمقاييس. ويضيفان قائلين: إن بعض ما يعتبره الناس صفة مدح للمركبة هو في نظرنا قدح ومذمة للمركبة من وجهة نظر فنية؛ إذ لا بدَّ من قدر محسوب بدقة يضمن تحقيق التوازن بين قوة المحرك ووزن هيكل السيارة في حالة الوقوف وفي حالة السرعة، وعند عدم توفر هذا القدر من التوازن يحصل خطر شديد، ليس وقفاً على الشاب قليل الصبر والخبرة، ولكنه خطر على أفضل الناس عقلاً ورزانةً.
إن ساحة السيارات مليئة بأنواع من السيارات المزودة بمحركات هائلة القوة والسرعة، تحملها سيارات صُنعت من حديد مبخوس القوة والمتانة والوزن، مكسو برقائق جميلة في غاية الضعف وخفة الوزن، إنها مصائد للأرواح، مقاصل للعظام، وقود سريع للنار. هكذا يصفانها ويقولان: إنه نتيجة لذلك يختل أداء الكوابح (الفرامل)؛ حيث تواجه جهداً شديداً جداً في الدفع وقوة الأداء من قِبَل محرك السيارة (المكينة)، وحينئذ لا تقدر الفرامل على أداء مهمتها، ولو حاولت الفرامل الأداء بما فيه الكفاية لانشطر الكفر الأكثر حملاً من بين الكفرات الأربعة؛ لأن جهد الفرامل ليس بالضرورة أن يكون في لحظة الخطر واصلاً بقسمة عادلة بين الكفرات الأربعة، فالأكثر نصيباً من قوة الفرامل هو الأسرع تمزُّقاً، ومن ثَمَّ لا يتسنَّى التحكم في السيارة، وتحصل الكارثة، نسأل الله السلامة والعافية. هكذا يتصوران، أو هو الواقع كما يصفان. ويقول إخواننا المصنعيون: إن صانعي السيارات أوجدوا عن قصد معدات في السيارات من أنواع الإلكترونيات المتقدمة في سباق محموم لكسب السوق، فأصبح طبلون السيارة مملوءاً بالشاشات وساعات العد ومؤشرات الأداء ومنبهات الخطر وقياسات الحرارة والبرودة إلخ، ومكتوبة بلغة ومصطلحات أجنبية لا يقرؤها غالب الناس، وتورَّد هذه المركبات المبالغ في تجهيزها، العالية قيمتها، إلى أسواق دول نامية قليلة الخبرة في التعامل مع هذا المستوى من التقنية. يقول المصنعيون: إنا نسأل بعض مَن يملك ومَن يقود هذه السيارات عن أبسط ما فيها من أجهزة، فنجده يجهلها جهلاً تاماً، بل إنه لا يعرف عنها سوى (المقود) الدركسون، ويقول: أنا سواق طارة. ويضيفون قائلين: لم يعد مستنكراً وجود شخص يسوق مركبة عالية التقنية وهو يجهل تماماً ولم يعلم ولم يتعلَّم ما اشتملت عليه من تقنيات بالغة الدقة، ويسير بها بجرأة وخيلاء ليلاً ونهاراً إلى أن يناله أو غيره مكروه أو ينجو وينجو غيره بلطف من الله، وتلك معجزة.
أيها القارئ العزيز، أنا لستُ مختصاً في عالم السيارات، ولكني فرد من أمَّة وصفها رسول الله -صلوات الله وسلامه عليه- بالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وأشاهد كما يشاهد غيري نماذج من حوادث السيارات، الكثير منها فظيع ومروع ومؤلم، وكغيري أقود سيارتي، ويُمكنني أن أقول: إن الجهل بما في السيارات من تقنيات متطورة بالنسبة للغالبية العظمى من الناس أمر واقع لا جدال فيه، وإذا كانت الوكالات المستوردة هي المقصِّرة في تعليم المستعمل للسيارة، أو كانت مدارس تعليم القيادة، أو جهات التدريب المختصة أو التعليم العام، أو غيرها هي المسؤولة، أو الفرد نفسه، أو ولي أمر الشاب؛ فإن النتيجة واحدة، وهي عدم العلم بما يجب أن يُعلم بما فيه الكفاية، وإذا كان ما أبداه المصنعيون صحيحاً فيما يخصُّ المحرك والهيكل والفرامل والإطارات والطبلون واللغة، أقول: إذا كان هذا يحكي الواقع بشؤونه وشجونه فإن المطلوب فورية المعالجة وتصحيح المسار، فما مضى لا يُرَدُّ، وعقارب الساعة لا تعود إلى الوراء، ولكن المهم اليوم وغداً وما بعد غد، فَلْنَحْمِ الأرواح و الأجساد والأموال. يا قوم (اعقلها وتوكَّل)، وبالله التوفيق.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved