*حوار - عبدالله بن ظافر الأسمري :
يقوم المجتمع المسلم على جهود البناء المستمر فيتغذى مورده من الشريعة ويد العالم والداعية والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لهم اليد الطولى في ذلك إذ يعول معرفة أحكام الإسلام وآدابه وفضائله العديدة من خلالهم.
ولذلك لا شك ان القضايا التي تهم المرء المسلم كثيرة وعديدة، منها المجمل ومنها ما يحتاج إلى تفصيل، ونحن هنا في هذا الحوار نلتقي مع أحد الدعاة إلى الله لنحاور فضيلته عن بعض القضايا والأمور التي قد تتكرر في الحياة اليومية مراراً وتكراراً، وضيفنا هو فضيلة قاضي محكمة الأرطاوية سابقاً المحامي الشيخ عبدالعزيز بن سعود العمار فإلى الحوار مع فضيلته.
شأن الإخلاص
* الإخلاص في الأعمال شأنه عظيم ومتعلق بقبول العمل وصحته، فهل لفضيلتكم إبراز أهمية هذا الأمر وعظيم الخطر من الرياء والشرك؟
- إن هذا ا لأمر مهم للإنسان لأن بها قوام دينه وإخلاصه، قال سبحانه وتعالى:{أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} وقال تعالى:{فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} وجاء عن النبي في الحديث القدسي (أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً وأشرك فيه غيري تركته وشركه) فالشرك محبط للأعمال {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا}، ونسمع في كل جمعة في قراءة الإمام قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ . عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ . تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً} لتركهم الإخلاص.
هذه كلمة مختصرة وإلا فالأمر عظيم قد أفرده علماء الأمة بالكتب الكثيرة ولهذا أرسل الله الرسل وأنزل الكتب ولأجل ذلك انقسم الناس إلى فريقين فريق في الجنة وفريق في السعير ومن أجله نصبت الموازين وخلق الناس.. فالواجب إخلاص العبادة لله وحده وترك عبادة ما سواه أو دعائهم من الأنبياء والصالحين والأولياء والقبور والأشجار وغيرهم.
الأمر بالمعروف وحق العلماء
* شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عظيم سواء في وسط المجتمع أو الأسرة أو غير ذلك، فهل من كلمة تذكير بذلك؟
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبادة وشعيرة من شعائر الإسلام التي بها حفظ المجتمع وصيانته من المعاصي وأضرارها، لذا فإن المسؤولية عظيمة لأن هذه العبادة بها قوام الأمة وصلاحها ونجاحها في الدنيا والآخرة {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}. {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}، فكلما ازداد الإنسان إيماناً وخيراً قام بهذه الشعيرة، وكلما نقص الإيمان والخير نقص القيام بهذه الشعيرة العظيمة. وينبغي الأخذ على أيدي السفهاء وعدم السكوت على الباطل حتى لا تصاب هذه الأمة بما أصاب الأمم السابقة عندما تركوا القيام بهذه الشعيرة العظيمة التي بها حفظ الله المجتمع من كل سوء، قال تعالى {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً} وقال تعالى عن بني إسرائيل {وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ. فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ}.
ورثة الأنبياء
* العلماء ورثة الأنبياء، ونلاحظ هذه الأيام من يقع في أعراضهم سواء من العامة أو غيرهم فما السبب؟ وماذا تقول لهؤلاء؟
- السبب في ذلك يرجع إلى أمور أهمها ضعف الإيمان وقلة التقوى والورع والفقه فالعلماء رفع الله من قدرهم {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} فمن وقع في أعراضهم وقع في إثم عظيم لأن أعراض المسلمين حرام فما بالك بعرض ورثة الأنبياء! ومن الأسباب أيضا اتباع الهوى وخطوات الشيطان فالعلماء يتبعون الحق والعصمة لأنبياء الله، فمن الناس إذا لم يتبع العلماء هواه وقع في أعراضهم وتكلم فيهم وما يدري انه يهدي حسناته إليهم. ومن الأسباب أيضا التقليد لمن سبق فيقلد غيره ويتكلم فيهم وهو لا يدري. فأقول لمن يقع في أعراض العلماء وغيرهم من المسلمين في كل حال عليهم بتقوى الله سبحانه وتعالى ومراقبته وأن يتذكر الإنسان انه سوف يقوم بين يدي الله سبحانه وتعالى وسوف يحاسب على كل شيء {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}،{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا}.
اتباع الحق بدليله
* يقع بين أهل العلم خلاف في المسائل الفقهية أو الاجتهادية الأخرى، فما الموقف الصحيح للمسلم من هذا الخلاف؟
- قبل الإجابة أود ان أبين ان مسائل العقيدة الأساسية يتبع الإنسان فيها كتاب الله وسنة رسوله ولا يتبع إلا الحق ولا يضرب نصوص الشرع بعضها ببعض بل يتبعها جميعاً، أما المسائل التي يسوغ الاختلاف فيها فالموقف الصحيح للمسلم فيها ان يتبع الحق بدليله من الأدلة الشرعية إذا كان يمكن ان يعرفها وإلا اتبع فتوى العلماء المحققين الذين يجمعون بين العلم والتقوى، ولا يتبع هواه بين رخص أهل العلم واختلافاتهم فمن تتبع الرخص فسق وقد يخرج من الملة إذا كان كل مسألة يتبع الترخيص فيها، وينتبه لأمر قد شاع بين الناس (أجعلها في ظهر عالم واطلع منها سالم) فهذه العبارة غير صحيحة بل إنه سوف يحاسب عن كل شيء يوم القيامة ولا يجدي له ذلك عند الله شيئاً.
المرأة والحجاب
* يلاحظ في الأيام الأخيرة توسع حملة الدعوات لتحرير المرأة بدعوى إعطائها حقوقها، فما سبب ذلك؟ وماذا تقول لمتصدري المجالس في هذا الشأن؟
- سبب ذلك أمور أهمها ضعف الإيمان والعلم والتقليد الأعمى بدون بصيرة واتباع الهوى، هذه بعض الأسباب، ويقال لمتصدري المجالس ووسائل الإعلام والاتصال الذين ينادون بذلك ان عليهم تقوى الله سبحانه وتعالى وأيضا عليهم بتعلم العلم الشرعي والاستنارة بأقوال العلماء الصالحين أهل العلم والورع وان يعلموا انهم ملاقو ربهم وانهم إليه راجعون، وهؤلاء عندما يقولون ننادي بتحرير المرأة إنما ينادون بإبعاد المرأة عن دينها وعفتها ثم أقول لكل مؤمن ومؤمنة عليه ان يتقي الله سبحانه وتعالى وان يتذكر وقوفه بين يدي ربه.
التوبة والتسويف
* التسويف في التوبة يجعل المرء ينقاد للشيطان وللشهوات حتى مراحل العمر الأخيرة أو الموت الفجأة، ما نصيحتكم لهؤلاء؟
- التوبة عبادة واجبة على كل مسلم ومسلمة قال تعالى {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وحذر الله من تركها بقوله {وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، والإنسان ينبغي ان يكون قوي الإرادة في التوبة وجميع الطاعات، فلا يتردد في التوبة ولا في الطاعة ولكن الشيطان يسول للإنسان أن يبادر بالتوبة قال تعالى {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً {17} وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً}.
فالواجب المبادرة بالتوبة، قال العلماء - كل من عصى الله فهو جاهل وكل من تاب قبل حلول مصيبة الموت فهو تاب من قريب - والإنسان لا يدري متى يفاجئه الأجل فينبغي له التوبة وان يسارع فيها ولا يؤخرها لأن التوبة عبادة واجبة على الفور كان المصطفى صلوات الله عليه وسلامه يكثر من التوبة والاستغفار مع انه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فالله سبحانه وتعالى يفرح بتوبة عبده.
|