Friday 12th March,200411488العددالجمعة 21 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

نوازع نوازع
الهوية
د. محمد بن عبدالرحمن البشر

تتماثل دول العالم الثالث في عدم نيلها قسطاً كافياً من مقومات التقدم المتوفرة لدى دول العالم المتقدم. غير أنها تتفاوت في مقدار ما حققته من قسط من ذلك المضمار، فدولة تعتبر نفسها من العالم الثالث، وهي الصين، أصبحت ذات شأن كبير في المجال العلمي والاقتصادي العالمي. ولا ريب أن دولاً مثل فيتنام ستحذو حذوها. ولهذا، فإن العالم الثالث يمكن تقسيمه إلى فئات ثلاث: دول بحثت عن الطريق واهتدت إليه وركبته دون أن تخرج عن جادته، بعد أن كانت مع مثيلاتها من الفئات الأخرى في وسط وادٍ سحيق. وأخرى ظلَّت في وسط الوادي دون رغبة جادة في الخروج منه، وقد تنشغل بين الفينة والأخرى بالامتثال فيما بين أفرادها أو مع جاراتها لا لهدف بذاته أو لرغبة في التغيير، وإنما لمصالح ذاتية بحتة.
وقد تتمثل هذه الفئة في بعض الدول الإفريقية. أما الفئة الثالثة، فهي في بحث دائم عن الطريق دون أن تهتدي إليه، وإن اهتدت إليه وركبت جادته لمسافة يسيرة عادت لتخرج عنه مرة أخرى، وهي في بحثها عن الطريق تقتلع الشجر، وتكتوي بالرمضاء، وتلسعها شدة البرد. ويمثل هذه الفئة معظم الدول العربية.
العرب أُمَّة غير جامدة؛ فهي تبحث عن الأفضل بشكل دائم، وتسعى لتشخيص ذاتها والتعرف على أخطائها، لكنها في الوقت الحاضر لا تجيد كيفية الوصول إلى الطريق، وعند وصوله فهي لا تُحسن الاستمرار فيه.
ولهذا وبفضل ديناميكيتها، فهي تحاور وتناور وتبحث، وبسبب عدم عثورها على الطريق مع معرفتها به فإنها تتلقى الكثير من المآسي والفواجع، مع أن لها تاريخاً مجيداً، ركب الأجداد في حينه طرقاً معبَّدة مستوية جعلتهم يقودون العالم في زمانهم.
في وقتنا الحاضر، وفي طريق البحث عن الطريق، يعتقد البعض أن الهوية العربية هي السبب في تجنُّب الطريق والنأي عنه. ولهذا تبدأ المناداة بأعراق ظناً من متبنيها أنها الوسيلة المثلى لتحقيق النمو لعرق بذاته، غير أن ذلك مجافٍ للصواب. فلا يمكن للفرعونية، أو البربرية، أو الشركسية، أو الكردية، أو التركمانية، أو الأرمنية، أو الأشورية، أو الفينيقية، أو العرب العاربة، أو العرب المستعربة، أو الحاضرة، أو البادية، أو الإفريقية، أو الآسيوية، أو غيرها كثير، لا يمكن لهذه أن تحقق هدفاً جيداً لقاطني المنطقة العربية، وإنما ستعمل على المزيد من البُعد عن جادة الطريق، ومن ثَمَّ السقوط على الحجر، واقتلاع الشجر، ومزيد من المآسي والمعاناة.
الأُمَّة في حاجة إلى تصحيح نفسها بالبعد عن الذات، فالإنسان في هذه المنطقة من العالم اعتاد على أن تكون أخلاقه هي المُسيِّرة لسلوكه، فمن خلقه الإيثار، والكرم، ومساعدة الملهوف، وإيواء المحتاج، واحترام الأجنبي، لكنه في كثير من الأزمان والمناطق لم يعتبر أن يكون القانون وحده كافياً لردعه عن الأخطاء والتجاوزات، ولهذا فإن الأعراف والأدبيات الاجتماعية كثيراً ما تكون الرادع الأساسي لتجنب الأخطاء. وفي هذا الزمان أخذ الكثير يبتعد عن هذه المعطيات الأخلاقية معتمدين على أن القانون وحده كفيل بإيصال الأمَّة إلى جادة الطريق. والواقع أن ذلك وحده لن يكون كافياً؛ لأن القانون دون ممارسة وتطبيق فعلي لن يكون مُجدياً.
إن لدى العالم الإسلامي، ومن ضمنه العالم العربي، قانوناً رائعاً يفوق كل القوانين، وهو الإسلام الذي يحثُّ على مكارم الأخلاق، ويتوافق مع المنطق والفطرة الإنسانية التي تتفق عليها معظم شعوب العالم الإسلامية وغير الإسلامية. ولهذا فالزاد موجود، وتجربة الأجداد ماثلة للعيان، غير أن التطبيق لم يكن في بعض من دول عالمنا متوافقاً مع ما هو متاح من أدبيات وأخلاق العمل والسلوك في بعض مناحي الحياة.
إن الهوية لن تكون مكمن الحل للوصول إلى جادة الطريق، بل العمل الخالص الجاد، البعيد عن المصالح الشخصية أو المحدودة. والشواهد لدينا كثيرة، فأوروبا تختلف لغةً وديناً وتاريخاً، ومع هذا فقد توحَّدت رغم أنَّ مَن عاشوا ويلات حروبها الداخلية ما زالوا أحياء.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved