أظن أن أكثر الناس سفراً بعد الصحفيين هم الأطباء , فكبار الصحفيين أحياناً تكون تحت تصرفهم طائرة خاصة تقلهم بسرعة إلى مواقع الحدث وتضعهم وجهاً لوجه مع صناع القرار.
أما كبار الأطباء وبالذات أصحاب التوجه الأكاديمي والعلمي فالسفر جزء من مكونات اللعبة : أولها فرحة وآخرها ملل , وكم كنت أتمنى لو أن بيننا معاشر الأطباء راوية يحسن نقل المشاهد التي رآها في سفره ، فقد كنت استمتع بما كان يكتبه معالي الدكتور محمد عمر توفيق في مجلة أهلاً وسهلاً عن ذكرياته وهو مسافر ومازلت أنصت بإعجاب لما يروية معالي الشيخ محمد العبودي في سلسة حلقات إذاعية عن مشاهدته في السفر المهم أنني حاولت أجمع لكم بعض القصص الطريفة التي حدثت لبعض الزملاء الذين ابتلاهم الله بكثرة السفر .
الدكتور ( ع.ع ) مدمن شاي وقهوة لذلك هو عندما يسافر لا يفتقد أم العيال بقدر ما يفتقد فنجان الشاي الذي تصنعه.
الحل بسيط : غلاية الماء و الإبريق الخاص بالقهوة والبن والهيل وغيرها مع توصيلة كهربائية متعددة المقاسات تركّب في أي فيش كهربائي في أي فندق من فنادق العالم , موجود دائماً في شنطتة وإذا قدر لك أن تكون مسافراً معه فتأكد بأنك ستكون ( روياناً ) طوال الرحلة فقهوة الصباح وشاي الظهر طازجان ومتوفران و وعندما تدخل غرفة زميلنا تهب عليك روائح القهوة فتعيدك إلى الوطن مرة أخرى .
لي زميل من دولة الكويت ( س.ر ) مبتلى بالسفر ويبدو أن السفر لم يهذب طباعه في الأكل فهو لا يثق بأي مطعم ولا يقبل على أي طبق ،معدته من النوع الكلاسيكي الذي لا يقبل خرابيط المطاعم.
وحلاً لهذا الإشكال فإنه يسافر بشنطة كبيرة جداً وبداخلها محتويات غريبة أكياس من الخبز التوست والصامولي , أنواع من الجبن القابل للدهن وعلب التونة والمربى , ولقد حاولت خلال المرات التى تزاملنا في السفر أن أمارس معه محاولات للتطبيع والتعايش مع الأطباق العالمية ولكنها كانت محاولات فاشلة تماماً ولذلك لا يتناول إلا إذا تلقى دعوة للعشاء من عربي يعرف أصله وفصله طبعاً بشرط أن لا يكون هذا العربي من تكريت .
الدكتور ( خ.ق ) مدعو لإلقاء محاضرة في كوريا الجنوبية طبعاً !! لأنها لو كانت الشمالية لكان حسابه عسيراً.
عربي يزور كوريا الشمالية الدولة المارقة وصاحبة أسلحة الدمار الشامل.
المهم أنه قرر تحويل هذه الدعوة إلى فسحة وأن يصطحب زوجته معه.
هناك عدد محدود من الرحلات بين الرياض وسيؤول دون توقف , وصل المطار متأخراً لم يتمكن من السفر خصوصاً أن الرحلة مزدحمة وهناك الكثير من المنتظرين , أقرب رحلة بعد أيام , إلا إذا كان السفر من البحرين فهناك رحلة في اليوم نفسه، و لأن صاحبنا من النوع العنيد الذي لا يعرف اليأس شأنه شأن الكثير من الأطباء فقد قرر السفر إلى الدمام ومن الدمام قام باستئجار سيارة لتوصيله إلى مطار البحرين حيث ينتظره هناك صديق قديم وعده بترتيب إجراءات سفره إلى كوريا ومن أجل توفير الوقت فقد طلب من زوجته استلام العفش في مطار الدمام ريثما يقوم هو باستئجار السيارة التي ستوصلهم الى مطار البحرين للأسف كانت هناك شنطة تشبة جدا شنطة الدكتور في شكلها الخارجي أما من الداخل فهي تحتوي على مجموعة من ملابس الحج تخص حاجاً عاد لتوه من رحلة الحج بعد عناء وصل الجميع , فتح الدكتور شنطته ليجد بدلاً من ملابسه والبدل الرسمية إحرامات وملابس الحج ولأن صاحبنا طويل القامة فهو أطول من أطول كوري فالبحث عن ملابس معاناة ما بعدها معاناة. عندما سمعت القصة قلت الحل أن تذهب للمحاضرة بالبيجامة .
يحدثني زميل حضر في منتجع من منتجعات سويسرا مؤتمراً متخصصاً جداً عدد حضوره لا يتجاوز المائة ومن أجل إظهار الكرم و الاحتفاء !! قامت الجهة المنظمة باستئجار حافلة لنقل الحضور لتناول الطعام في الجبل على الطريقة السويسرية توضع النار تحت إناء به زيت أمام المضيف ليبدأ بطهي طعامه بنفسه إنها أكلة لها طقوس معينة لست بصدد تفصيلها المهم أن أحد الحضور انزوى في طاولة بعيدة وبدأ يطلب بعض المشروبات المثلجة التي أفقدته عقله كان المطعم تقريباً محجوزاً لضيوف المؤتمر عدا طاولة جلس عليها عشر سيدات متقدمات في العمر لاحظت إحدى هؤلاء أن من بين الحضور عرباً أقحاحاً يتحدثون العربية ويشربون المباح فبدأت تتحدث مع صاحبنا عن ذكرياتها في المنطقة العربية وكيف أنها عملت بالسلك الدبلوماسي وتعرف البلد جيداً وتعتقد أن الشاورما العربية الذي بكثير من الفورنو السويسرية انتهت الحفلة وصعدنا إلى الحافلة عدا صاحبنا الذي أدارت القهوة رأسه فقرر أن يخرج في نزهة برية مع العجوز المستشرقة ..تصور نزهة في وسط الشتاء وفي منطقة نائية لا توجد بها مواصلات أحد الحضور صاح عندما ركب الجميع إلى الحافلة أين الدكتور فلان ؟.
وفعلاً بدأ البحث لنجده في الأحراش هذه القصة كانت مادة للتندر و التنكيت على الدكتور طوال مدة المؤتمر.
أحسب أننا يمكن أن نجمع مادة كتيب صغير عن نوادر السفر عند الأطباء ولعل أحد الزملاء يتصدى لهذه المهمة وأنا على استعداد لتزويده للعمل بهمة أكبر والثقافة بمفهومها الواسع في أنماط التفكير وأنماط الإدارة وأسلوب إدارة الأعمال والنشاط الصحفي بألوانه المتعددة وجديد الكتب كل هذه الأنشطة قد يتعلمها الإنسان من السفر ولو كان هذا السفر إلى بلاد ذات طبيعة عادية أما الصحبة وما أدراك ما الصحبة فأصدقاء السفر هم الذين يعطون للسفر البهجة المطلوبة ،النفوس في السفر تكون قريبة والمجاملات مرفوعة والوقت متاح لتتعلم من صديق كريم أجمل ما عنده خلال سفرك معه .
* المشرف العام لمركز النخبة الطبي الجراحي |