من منبر الذكريات التي كانت بيننا أكتب لك كلمات بسيطة أذكرك فيها بأيام الطفولة وما مر عليها، فهل تسمحين لي أختي أن أبدأ؟.
أختي:
أما زلت تذكرين حياتنا الجميلة في القرية في تلك المنازل البسيطة؟ أما زلت تذكرين ألعابنا التي اصطفت تحت جذع تلك الشجرة؟ أما زلت تذكرين طريقة تفكيرنا عندما كنا أطفالا، عندما كنا نفكر بطريقة عفوية، لا نحقد على أحد، ولا نتخاصم مع أحد، عندما كانوا يكثرون علينا التوبيخ وكنا نقابلهم بالابتسامة والنسيان لكل ما حصل منهم؟ إذا كنت ما زلت تذكرين فهيا دعينا نعيد هذه الحياة في عمرنا الآن عندما كبرنا وأصبحنا نصارع تقلبات الزمان، دعينا نتجاهل كل من حولنا ونعيش في عالم آخر، دعينا نتجاهل الناس الحاقدين والمكثرين للكلام بلا فائدة.
أختي:
ثقي تماما أنك ما زلت صغيرة بعفويتك، كبيرة بعقلك، وخاصة عندما ترمين كلام السفهاء خلف ظهرك، تحتقرينهم وتستصغرينهم بعينيك حتى يخجلوا من أنفسهم، نعم أريد منك أن تستصغريهم عندما تقفي أمام سكاكين نقدهم كوقوف الجبال أمام الرياح الصارية لا تحركها عن مكانها ولا تهزها.
نعم أختي:
اشمخي كشموخها، فإنها والله هي المثل الأعلى للصمود، وتيقني تماما أن من نبش بالماضي الأليم قد خسر الحاضر الجميل، واعلمي أنني ما أوقفتك على اطلال الطفولة من فراغ، كلا، بل أوقفتك عليها بعدما رأيت جدار وجدانك الرقيق يوشك على الانهيار من سهام الكلام الذي غرسه بك أصحاب العقول التافهة، فأحببت أن أرجعك إلى بداية بناء الوجدان حتى تعيشي معها بكل جوارحك وتسترجعيها حرفا حرفا، وبعدها تعلمين كم أنا محقة عندما أرجعك لها بعد هذه المدة الطويلة.
أختي:
أعلم أنك تكابرين عندما تخفين ملامح حزنك، واعلم أنني لا أستطيع أن أمنعك من الخلوة بنفسك والتفكير بهذا الأمر، لكن لا يمنع أن تعزفي جمال الابتسامة على أوتار وجهك، وأن تريها من حولك.
أختي:
يقول الشاعر:
لا يضر البحر أمسى زاخرا
أن رمى فيه غلام بحجر |
نعم أريدك كالبحر لا يتغير طعمه، بل يبقى مالحا حتى وإن أضافوا له شيئا، لهذا ابقي كما أنتِ، لا يؤثر بك كلامهم، وابقي أيضا كالمعدن الأصيل لا يتغير لونه ولا يصدأ.
أخيرا أختي، أتمنى من الله العلي القدير أن يوفقك وأن يسعدك وأن تقبلي رسالتي هذه بصدر رحب.
|