طالعتنا الجزيرة في عددها (11462) بمقال كتبه الأخ - محمد بن عبداللطيف آل الشيخ تحت عنوان (الولاء والبراء وانتهازية التوظيف) وهو حول تحالف المجاهدين الأفغان ومن معهم من المسلمين مع أمريكا ضد الاتحاد السوفيتي آنذاك دون مراعاة لعقيدة الولاء والبراء التي يتذرع بها الإسلاميون اليوم في حربهم المعلنة على أمريكا لذا أحببت توضيح بعض الأمور والمسائل التي قد تلتبس على بعض القراء مما جاء في المقال المذكور. فأقول مستعيناً بالله سائلاً إياه السداد للهدى والصواب:
أولاً: أشكر الأخ - محمد على حرصه على عقيدة الولاء والبراء التي اعترى فهمها لدى البعض شيء من الخلط إفراطاً وتفريطاً وقد وصفها الأخ محمد - بأنها (تقوم على حماية وتحصين الدولة الإسلامية من الاختراق من قبل أعدائها..) وصدق في ذلك. ولا شك في أهمية عقيدة الولاء والبراء لأنها أصل من أصول الدين الإسلامي بل إنها من لوازم لا إله إلا الله، يقول الشيخ - عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله (لمّا كان أصل الموالاة: الحب وأصل المعاداة: البغض وينشأ عنهما من أعمال القلوب والجوارح ما يدخل في حقيقة الموالاة والمعاداة كالنصرة والأنس والمعاونة وكالجهاد والهجرة ونحو ذلك)(1).
ويقول الشيخ - حمد بن عتيق - رحمه الله - (إنه ليس في كتاب الله تعالى حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم - أي الولاء والبراء - بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده)(2).
وفي الحديث قال عليه الصلاة والسلام: (تنصح لكل مسلم وتبرأ من الكافر) رواه أحمد. وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله) حديث حسن.
ولهذا قال شيخ الإسلام الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله : إن الإنسان لا يستقيم له إسلام ولو وحد الله وترك الشرك الا بعداوة المشركين كما في سورة المجادلة {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } الآية.
ثانياً: لا يلزم من الاستعانة بالكفار موالاتهم المقتضية مناصرتهم على المسلمين ولا تقتضي كذلك الرضا بكفرهم او عدم تكفيرهم او الشك في كفرهم أو تصحيح دينهم أو مداهنتهم لذلك ذكر أئمة المسلمين وعلماؤهم علاقة المسلم بالكافر ومن ذلك الانتفاع بما لدى الكفار من الطب والزراعة والسلاح ونحو ذلك.
أما الاستعانة بهم في الحرب فقد اختلف أهل العلم في ذلك فمنهم من منع ذلك ومنهم من أجازه ولكل دليله، ومن أجازوه منهم من اشترط لذلك شروطاً ومنهم من لم يشترط.
ومن أدلة القائلين بجواز الاستعانة بالكفار والمشركين ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعان بيهود بني قينقاع واستعان بصفوان بن أمية في قتال هوازن يوم حنين، وذكر البخاري - رحمه الله - في صحيحه في كتاب الإجارة: باب استئجار المشركين عند الضرورة او اذا لم يوجد أهل الإسلام، عن عائشة رضي الله عنها ( واستأجر النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلاً من بني الديل ثم من بني عبد بن عدي هادياً خريتاً - والخريت الماهر بالهداية - اي في الهجرة).
قال ابن القيم - رحمه الله -( الاستعانة بالمشرك المأمون في الجهاد جائزة عند الحاجة)(3) وهذا الرأي اخذ به العلماء في جواز استقدام واستعانة دول الخليج بالقوات الأجنبية في حرب تحرير الكويت.
ثالثاً: لا شك أن الركون إلى الذين ظلموا امر محرم كما في قوله تعالى {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} (113) سورة هود.
ومن ذلك الرضا بأعمالهم والميل اليهم، وكذلك موافقتهم على ظلمهم والانضمام اليهم بظلمهم وهذا كله لا يتعارض مع الاستعانة بهم لجلب نفع أو دفع ضر قال النيسابوري في تفسيره ( قال المحققون: الركون المنهي عنه هو الرضا بما عليه الظلمة او تحسين طريقتهم وتزيينها عند غيرهم ومشاركتهم في شيء من تلك الأبواب فأما مداخلتهم لرفع ضرر واجتلاب منفعة عاجلة فغير داخلة في الركون)(4).
رابعاً: لم يقل أحد من علماء المسلمين - وقت احتلال السوفيت لافغانستان - إن التحالف مع أمريكا فرض على كل مسلم أو رفعه بعضهم إلى درجة فرض العين كل ما في الامر أنهم قالوا ان الجهاد في افغانستان مع الأفغان فرض كفاية ومنهم من قال فرض عين لكنهم متفقون على أنه جهاد مع الأفغان لا مع أمريكا!؟ فالحرب كانت على ارض افغانستان وليست على أرض أمريكا واحتلال السوفييت كان لافغانستان وليس لأمريكا وفرق بين هذا وذاك.
خامساً: يجب أن يدرك كل مسلم أنه كما لا يلزم من الامر (ببر غير المحاربين والإحسان اليهم والصلة) محبتهم ومودتهم، كذلك لا يلزم من بغضهم وظلمهم او الاعتداء عليهم قال تعالى:{وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } (8) سورة المائدة ، فالعدل مع أهل الذمة والمستأمنين وغيرهم من غير المسلمين واجب، فلأهل الذمة حقوق وعليهم واجبات يلزمهم بها ولي الأمر وليس كل احد ولهم عهد فمن نقض منهم فلولي الأمر التعامل معه بما يراه وليس لكل احد ايضاً بل منحوا الأمان في ديار المسلمين وحتى من قتل منهم خطأً فالدية والكفارة على من قتل قال تعالى {وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً } (92) سورة النساء.
اما تعمد قتل الذمي الذي يعيش في ديار المسلمين فحرام بنص حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال ( من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة) - رواه البخاري وغيره.. هذا ما أحببت توضيحه في هذه العجالة، أسأل الله أن يرزقنا جميعاً الإخلاص قولاً وعملاً وأن ينصر الإسلام وأهله والحمد لله رب العالمين.
الهوامش
1-الرسائل المفيدة.
2- النجاة والفكاك.
3- زاد المعاد.
4- فتح القدير.
5- ك. القطاع الخيري ودعاوى الإرهاب د. محمد السلومي (وأنصح بقراءته).
6- المرجع السابق.
عبدالرحمن الوهيبي/الخرج
|