Monday 8th March,200411484العددالأثنين 17 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من أين أتينا؟ من أين أتينا؟
الإعلام العربي.. غياب الرؤية
د. عبدالله بن ناصر الحمود(*)

ليت شبكات الإنترنت كانت مُتاحةً للناس عندنا منذ ستينيات القرن الميلادي المنتهي، وما أروع أن تكون تقنية البث التلفزيوني الفضائي قد بدأت في التوقيت ذاته. إذاً، لرأينا واقعاً أفضل كثيراً من الواقع المعاصر الذي نعيشه اليوم. وما دامت (ليت) للتمنِّي في العربية، فما أجمل أن نتمنَّى كل جميل وحسن. فعلى الرغم من سنوات الصراع والمقاومة العربية التي شهدها منتصف القرن من أجل التحرُّر والاستقلال، فإن استقراء تاريخ تلك الحقبة يُشير إلى أن العرب كانوا أقرب للاتِّفاق حول كثير من مركبات نسيجهم الثقافي والاجتماعي.
ولو أن الفضائيات خرجت في تلك الحقبة، فلربَّما كانت الفرصة مواتيةً أكثر لأنْ يجد العرب -الرسميون، والتجار، والجمهور المستهلك- نقاط تلاقٍ كثيرة لوَضْع استراتيجية عربية للعمل الإعلامي بشِقَّيْه الحكومي والخاص.
لكنَّ التمنِّي شيء والحقيقة شيء آخر، خرجت تقنيات الاتصال المتطورة في زمنٍ العالم كله (والعربي منه بخاصة) منشغل بقضايا مصيرية وأخرى جزئية، وعدد من القضايا بين ذلك. وبدأ المدُّ الإعلامي في العالم العربي يأخذ أبعاداً مشوَّهة لا يمكن تصنيف كثير منها تحت أي أعراف مهنية، أو منطلقات علمية، أو تقاليد مجتمعية. الظاهرة الإعلامية في عالمنا العربي ظاهرة تلقائية، منهجها وغايتها وممارستها أمور مرهونة بواحد من أقطاب أربعة: الرسمية في الإعلام الحكومي العربي، والسوق التجارية الحرة في إعلام القطاع الخاص، والمواجهة في الإعلام الموجَّه، والمجهول في الإعلام الناطق بالعربية المجهول الهويَّة. ومن هنا أمكن أن تتعدَّد أهداف وغايات الإعلام العربي بقدر ما يمكن تصنيفه ضمن واحد من تلك الأصناف. ويمكن -هنا- استبعاد الإعلام الرسمي والموجَّه من المشكل الإعلامي العربي؛ لاستقرار الرأي حولهما -كما يبدو- عند كثير من المنشغلين بالصنعة، وكذلك الإعلام مجهول الهوية؛ لتواتر القول حوله بالقدر الذي أمكن معه وضوح جدليَّته وإشكاليَّته. ويبقى الإعلام العربي الخاص موطنَ كثيرٍ من القول والفعل؛ لأنه ميدان رَحْب للتجديد والتغيير والتعدُّدية.
فما برحت رؤوس الأموال العربية تُفاجئ العرب بين الفينة والفينة بمنتج إعلامي جديد اسمه قناة تلفزيونية. وعند محاولة استقراء أهداف وغايات تلك القنوات نخلص -غالباً- إلى هيمنة النزعة المادية والربح الفاحش، دون أخذٍ في الاعتبار لكثيرٍ من قيم المجتمع وعاداته وتقاليده، من أكثر المجتمعات العربية تشدُّداً، إلى أوسعها انفتاحاً.
والمرجع في ذلك قد يعود إلى عشوائية المرجعيات النظامية المؤسسية للعمل الإعلامي العربي التجاري، بل رُبَّما إلى انعدام المنظومات المؤسسية أصلاً، لتبقى نظرة المستثمر في القنوات الفضائية للكون والحياة، ومدى جشعه، هما الضابطين الرئيسين للعملية الإعلامية في تلك القنوات. ومن هنا، ضاعت الهوية العربية، وأصبحنا أمام هويات شخصية جدًّا يتمُّ نقلها عبر محطَّات التلفزيون.
أعتقد أننا ربَّما أُتِينَا من أنَّ إرادة الاختراق لمجتمعنا قد تزامنت مصادفةً -هذه المرة- مع اتِّساع (الخرق) الإعلامي على (الراقع) العربي، الذي بات مشدوهاً مذهولاً لا يعرف كيف يُمكنه استثمار تلك القنوات للدفاع عن قضيَّته.

(*) عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved