Monday 8th March,200411484العددالأثنين 17 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

العرب.. وجهة نظر يابانية (2) العرب.. وجهة نظر يابانية (2)
د. عبدالرحمن الحبيب

في المقالة السابقة تطرقت إلى منهجية ومقدمة وفصول من كتاب (العرب، وجهة نظر يابانية) للمستعرب الياباني نوبوأكي نوتوهارا، وهنا الجزء الثاني من هذا الاستعراض. في أوسع وأهم فصول الكتاب (كارثة القمع وبلوى عدم الشعور بالمسؤولية) يكشف المؤلف عن آليات القمع اليومية في المجتمع العربي، ويبين تلازم القمع وعدم الشعور بالمسؤولية تجاه الوطن، وبالتالي تجاه الآخرين من العرب والأجانب، وذلك عبر تقديم حوادث واقعية صغيرة ولكنها كافية - حسب تقييم الكاتب - بالنسبة لمن يرى من الخارج. وستنحصر هذه المقالة في استعراض الفصل المشار إليه.
عن سيطرة الخوف على العقلية العربية، وحرمة (taboo) بعض الكلمات، يسوق المؤلف كثيراً من الشواهد، منها: (مرة أستمع من الراديو إلى حوار.. تحدث - طالب مبتعث لليابان - عن المواصلات في طوكيو وعن تنظيمها وقارن بينها وبين المواصلات في مصر. عندئذ قال معلقا: لا بد أن نتعلم من تجربة اليابان، لا بد أن نغير كل نظامنا. فجأة قاطعه المذيع قائلاً : الكلام عن تغيير النظام غير مسموح به. عندئذ التفتُّ بدوري إلى كلمة (نظام) وتذكرت كم هي حساسة وخطرة في مصر وفي البلدان العربية، وتذكرت كيف يخاف العرب من استعمال بعض الكلمات). وفي مثال آخر عن الخوف يسوق المؤلف أمثلة عن ذعر الناس من التحدث معه في بعض المواضيع، حتى لو كانت لمجرد تحديد مواقعها، كالسجون: (منذ ثلاثين سنة لم أعرف موقع سجن عربي تماما. هذا أمر ممنوع ومحرم... أما الأدهى من ذلك فهو خوف الناس من رجال الأمن..)
الانطباع الذي يرتسم في مخيلة الزائر الأجنبي يبدأ من المطار.. عتبة البلاد، وفي ذلك يتحسر المؤلف على سوء المعاملة وتفشي الفساد (الرشوة والفوضى) مستعرضاً حالات متنوعة لا يجهلها أي عربي، منها: (في المطار يعامل القائمون على الأمن المسافرين بشكل فظيع.. عادة يخرق النظام من له معرفة بين العاملين.. أو ما شابه ذلك.. نحن نفهم الحرص على الأمن.. ولكن ما لا أفهم ذلك التعالي وتلك الغطرسة خاصة من المسؤولين الكبار كضباط الشرطة). كما يشير المؤلف إلى عدم وجود المحاسبة للمخطئين، يقول:(.. في مطار الرباط وقبل ان أدخل من بوابة القادمين ندهني أحد الموظفين وطلب مني 100 درهم فأعطيته على الفور لأنني ظننت أن المبلغ شكل من أشكال رسوم الدخول.. وبعد قليل شاهدت موظفا آخر يوبخه ويقول له كلاما يدل على أنه سرقني. . أفهم أن يوجد موظف يستغل وظيفته لصالحه الخاص، ولكنني لا أفهم لماذا لا يحاسب عندما يكتشف الآخرون فساده. هل يعني ذلك أن الجميع يستغلون وظائفهم؟ وأن الجميع اتفقوا بالصمت على قبول هذا الواقع؟ لا أعرف ولكن الحوادث كثيرة بحيث تبدو وكأنها ظاهرة عامة).
ويخشى المؤلف الخوض في التفاصيل والتخصيص، مذكراً أن تلك الحوادث المؤسفة تكررت معه بصورة متقاربة في أغلب البلدان العربية، ويعلل عدم تخصيصه، بقوله: (أنني أريد أن أستمر في علاقتي مع المجتمعات العربية؛ أي أنا خائف من أن أُمنع من دخول هذا البلد أو ذاك. هل لاحظتم إلى أين وصلت ظلال القمع؟..).
وعن كيفية إدارة الحكم يعقد المؤلف مقارنات بين المجتمعين العربي والياباني:(.. أما في الوطن العربي فالسلطة والشخص شيء واحد، فالحاكم ما زال يتمتع بامتيازات كبيرة، مع بعض الاستثناءات... في اليابان بعد الحرب العالمية 2 تناوب على منصب رئيس الوزراء أكثر من 20 شخصية سياسية ليس لأنهم غير جديرين.. ولكن لأن قيادة الدولة المعاصرة أكبر من امكانات أي فرد لوحده مهما كان موهوباً وقويا، كما أن هذا المنصب عندنا يمارسه المسؤول مرة واحدة فقط، وهكذا نضمن عدم ظهور مركزية فردية مهيمنة). وفي موقع آخر يتناول المؤلف فكرة الخلود والحاكم، ويذكر أنه منذ فجر التاريخ كان سكان حوض شرق المتوسط مشغولين بفكرة الخلود، موضحاً أن الحاكم المستبد سرعان ما يصبح مفارقا للشعب.. . ورغم أن الكاتب يعترف بعدم احاطته بالمسألة في المجتمع العربي كونها شائكة ومعقدة فإنه يقرر:( أن العرب المعاصرين يضيفون صفة الخلود لرؤسائهم، مثل الزعيم الخالد، وزعيمنا إلى الأبد... وهذا مثير لنا في اليابان ويفوق قدرتنا على التصور.. وعلى الفهم..) والأدهى، كما يرى المؤلف، أن فكرة التأبيد لا تقتصر على رجل السلطة الكبير بل تشمل قادة الأحزاب المعارضة التي يفترض أن تحمل مشروعاً مختلفا عن مشروع السلطة القائمة.. وإلا فالمعارضة تصبح سلطة تنتظر دورها في السيطرة على الحكم استلاما يؤبد المشروع السائد!
وفي ذات الفصل، يقفز الكاتب إلى موضوع الطفل وما يتعرض له من قمع في المجتمع العربي، راوياً منظر طفل يجر عصفوراً بحبل من عنقه وكأنه يجر حماراً، وكان الناس يمرون بجانب الطفل دون أن يقولوا له شيئا، فالمنظر طبيعي! ويربط الكاتب ذلك بقبول المجتمع العربي لفكرة سيطرة القوة:( الناس يقبلون سلوك المسيطر القوي ويرضخون له. أي يسمح المجتمع أن تسيطر قوة على أخرى أضعف منها. وبالنسبة لي فإنني أتساءل: إذا سمح المجتمع بهذا المنظر فإلى أين يصل؟).. وينتقل المؤلف إلى وضع الأطفال في التعليم وتسرب بعضهم للعمل في الحقول أو الشوارع.. وينتقد أسلوب الضرب والعنف في المدارس الذي لا يزال معتمداً في أغلب المدارس العربية، مستنتجاً:( هكذا يبدأ القمع، من سلطة الأب في المنزل، إلى سلطة المعلم في المدرسة، وهكذا يألف الطفل القمع كجزء من وجوده، هذا إذا تغافلنا عن قمع الفقر والجوع... ).
ومن عدة مشاهدات ينقلها المؤلف يخلص إلى أن المجتمع العربي غير مستعد ليربي المواهب ويقويها، وأن الشعور بالمسؤولية عن مستقبل الطفل هو دون المستوى المطلوب؛ لذا نسمع أخبارا محزنة عن الغش والتلاعب في التدريس وفساد ما يتعلق بالعملية التربوية، على عكس المجتمع الياباني حيث تعتبر الموهبة الفردية قدرة تحقق نجاحا في حياة اليابانيين. إذ يقوم الوالدان برعاية الطفل وتنمية قدراته في العلم والرياضة، ويقدمان كل امكانياتهما لدعم موهبة الطفل، حسبما يرى المؤلف.
ويتنقل المؤلف بين العديد من الشواهد والأمثلة بطريقة غير منتظمة وليست وفق منهجية معينة، ولكنها حوادث متفرقة متضمنة مواضيع متنوعة، مثلاً يتناول الشعور بالمسؤولية في العمل موضحاً أننا لكي نفهم سلوك الرجل العادي في البلدان العربية علينا أن ننتبه دائما لمفهومي الحلال والحرام، باعتبارهما المرغب والمرهب في أساس ذلك السلوك. ثم يطرح أمثلة أخرى حول الحرام والتهذيب في السلوك،.. وللاستعراض بقية..


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved