Monday 8th March,200411484العددالأثنين 17 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

ومن نجدٍ إلى يمن - 5 - ومن نجدٍ إلى يمن - 5 -
عبدالله الصالح العثيمين

لا أرى داعياً للحديث عن مؤتمر صنعاء حول الديمقراطية وحقوق الإنسان ودور محكمة الجنايات الدولية. ذلك أن وسائل الإعلام المختلفة قد تحدَّثت عنه بالتفصيل، وأن أهمية النتائج المتوقعة منه أساساً بعيدة عن أن تصل إلى مستوى أهمية النتائج المتوقعة من مؤتمرات القمَّة العربية. ومما يعرفه كل متابع للأحداث أن نتائج مؤتمرات القمة العربية، وبخاصة ما عُقد منها خلال العقود الثلاثة الأخيرة، بعيدة كل البعد عما كان يتوقَّعه المواطن العربي منها من إيجابيات.
ولا تختلف نتائج مؤتمرات منظمة المؤتمر الإسلامي عن مؤتمرات القمة العربية المشار إليها قلَّة فائدة ملموسة. ولو صدقت نوايا القيادات؛ عربية وإسلامية، وتوفَّر إخلاصها لشعوبها، لكسبت ثقة هذه الشعوب فيها، ولأصبحت أقوى عزيمة، وأثمر عملاً في مواجهة التحديات التي تواجهها.
أعود للحديث عما له طابع ثقافي حضاري في اليمن؛ لأنه أقرب إلى نفسي، وربما أقرب إلى نفوس كثير من القرَّاء الكرام، وهذا هو الأهم. فأبدأ بالكلام عن مؤسسة العفيف الثقافية.
أُنشئت هذه المؤسسة الثقافية عام 1889م بمبادرة خاصة من مؤسسها ورئيسها الأستاذ الفاضل أحمد جابر عفيف، الذي ظلت قضايا التربية والثقافة موضع اهتمامه منذ زمن بعيد، والذي كان له إسهام في إنشاء جامعة صنعاء. وقد أنشأ المؤسسة - كما جاء في نظامها الأساسي- باعتبارها جهداً خاصاً لمساعدة جهود الدولة في إنماء الحركة الثقافية في اليمن وتطويرها.
ويتكوَّن مجلس أمناء المؤسسة، برئاسة مؤسسها، من خمسة وعشرين، بينهم المؤرخ القاضي إسماعيل الأكوع، والدكتور عبدالعزيز الصالح، والدكتور يوسف عبدالله. ولعلَّ أهم ما أصدرته من إصدارات جيدة (الموسوعة اليمنية)، المكوَّنة من أربعة مجلدات في 3231 صفحة، خلال العام الماضي. ومن أبرز وجوه نشاطها إنشاؤها الجمعية الوطنية لمواجهة أضرار القات، التي صدر نظامها الأساسي عام 2000م، وقد شارك في تأسيسها 83 شخصية، وتتكوَّن جمعيتها العمومية من 221 شخصية؛ رجالاً ونساءً.
ولمؤسسة العفيف الثقافية برنامج ثقافي تقيم فقراته مساء كل يوم ثلاثاء في مقرِّها. وقد نشر برنامجها للعام الحالي، الذي اختيرت فيها صنعاء عاصمة للثقافة العربية. ومما يلفت النظر أن البرنامج يتضمَّن أمسية عن الأدب السعودي في أواخر شهر أبريل. وإضافة إلى ذلك يقام لقاء ثقافي لفتاة العفيف مساء كل يوم اثنين.
ولقد أُتيحت لي فرصة لزيارة تلك المؤسسة التي يلحظ المرء أول ما يدخل إليها شعاراً جميلاً هو: (مجتمع بلا قات)، معلَّقاً أمام الباب الرئيسي. وسعدت بتجديد اللقاء بالأخ الكريم الأديب مؤسسها ورئيسها الأستاذ أحمد جابر عفيف، ومعرفة عدد من الإخوة الأفاضل الذين كانوا فيها. وكان من حسن حظي أنني عندما زرتها وجدت فيها محاضرة للمهندس محمود الصغيري عن (إسهامات المرأة في تاريخ العلوم).
وفي مساء اليوم الأخير من أيام مؤتمر صنعاء أقامت أمانة هذه المدينة ووزارة الثقافة حفل عشاء للمؤتمرين في ساحة العرضي الفسيحة. والعرضي عمائر عظيمة البناء ذات طابع مختلف عن طراز بناء المدينة، بناها العثمانيون خلال حكمهم لليمن خارج سور العاصمة، واستخدموها ثكنات عسكرية.
كان إلى جانبي في مائدة العشاء فنلندي تبيَّن من خلال تجاذب أطراف الحديث أنه محب للحضارة العربية الإسلامية، وأنه مطَّلع على ما كتبه الرحالة والين عن الجزيرة العربية. وكان هذا الرحالة قد زار جبل شمَّر في عهد إمارة عبدالله بن رشيد. واتَّضح، أيضاً، أنه مدرك لمأساة الشعب الفلسطيني وما يعانيه من ظلم.
وتلا العشاء في تلك الساحة الفسيحة حفل فني أدَّت فيه عدة فرق رقصات شعبية أصيلة من أجملها تلك التي من محافظة البيضاء، ورقصة الغيَّة من محافظة حضرموت، وهي أشبه ما تكون بالدبكة اللبنانية.
وفي صباح يوم الثلاثاء، وهو اليوم الأخير من أيام زيارتي لليمن، جدَّد الأخ الكريم المهندس حسن العيني لطفه، فاصطحبني بسيارته إلى دار الحجر. وهي دار جميلة كثيراً ما عرضت صورتها وسائل الإعلام المختلفة؛ إظهاراً لوجه من وجوه حضارة اليمن، وترغيباً للسياحة فيها. وقد بناها على صخرة عظيمة مرتفعة فوق وادي ظهر وزير المنصور المهندس البارع الشاعر علي بن صالح العماري أواخر القرن الثامن عشر الميلادي.
ثم أضاف الإمام يحيى حميد الدين إضافات إلى بنائها، فأصبحت على ما هي عليه الآن. وكان هذا الإمام يقضي وقتاً ممتعاً فيها خلال شهور الصيف. ولعلَّ مما يلفت النظر في الهندسة البارعة المتجلِّية في بناء تلك الدار أنها جمعت بين توفُّر وسائل الراحة لساكنيها، ووجود سبل الحماية والأمن.
ومن لطف الأخ الكريم عبدالسلام عثمان مدير مؤسسة الإبداع للثقافة والآداب والفنون في صنعاء، أنه أبى إلا أن يلحق بي إلى دار الحجر ليضيف شرحاً عنها إلى شرح المهندس حسن العيني وشرح المسؤول عن التوضيح عنها للسائحين.
ورغبةً من الأخ الكريم المهندس حسن في أن أرى أكثر ما يمكن أن أرى من البلاد اليمنية عاد بي إلى صنعاء عن طريق غير التي أتينا عبرها إلى دار الحجر. وفي الساعة الواحدة ظهراً وصلنا إلى فندق شيراتون في العاصمة اليمنية. ولم تمضِ ساعتان إلا وأنا في طريقي إلى مطارها استعداداً للعودة إلى الرياض، منهياً بذلك رحلة كنت أتشوَّق إلى القيام بها؛ إلى بلاد كانت مرتسمة في مخيِّلتي مهد حضارة أصيلة قرأت عن عظمتها ما قرأت، ومحلَّ إعجاب بطبيعتها شاهدت -من خلال ما صُوِّر عنها- ما شاهدت، ونهر إبداع شعري متدفِّق ارتشفت من عذوبته ما ارتشفت.
على أن تلك الرحلة زادتني أملاً في أن تكون لي رحلة إليها أطول زمناً؛ ليكون اطلاعي على حضارتها وآثارها أكثر عمقاً، ويكون وجودي في مرابعها الجميلة أكثر متعة.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved