الشاعر والكاتب معيض البخيتان المحتجب عن الظهور اختيارياً، والمنقطع في صومعته الأدبية بين مكتبته المكتنزة ومجلسه البدوي الأنيق، دفع خلال السنة الأخيرة بدفعة من المؤلفات الأنيقة، منها: قراءة في جهود مختارة، مواقف وقضايا نقدية، ومدرسة خالد الفيصل في الشعر العامي، ودفعة من الدواوين الشعرية، هي : يا مساء النضال، ورقص الفطرة.. وقبل أن أتحدَّث بإيجاز عن هذه الإصدارات الجديدة، فإنني سأتحدَّث عن صاحبها الغائب عن الفعاليات الثقافية والندوات الأدبية والحاضر المتوقِّد في الكتابة الصحفية من خلال زاويته الثلاثاوية المشهورة في جريدة الندوة منذ سنوات، والتي تحظى بمتابعة قطاع كبير من القرَّاء، خاصة في المنطقة الغربية؛ لما تتميز به من طَرْح وطني يُلامس المشاعر في كثير من القضايا.. وإضافة إلى ذلك التواجد الكتابي للشاعر معيض البخيتان، فإن ما يُتحفنا به من إصدارات بين الفينة والأخرى يؤكد أنه لا زال قُطباً قوياً من أقطاب الأدب السعودي المعاصر، وكأنه يقول: أنا هنا..ولأن المجال لا يتَّسع لاستعراض المؤلفات التي أشرتُ إليها، فإنني سأختار أحدثها، وهو: مدرسة خالد الفيصل، لأتوقَّف عنده أُعرِّف به بإيجاز واختصار.
إنه كُتيِّب أنيق جميل، يقع في (115) صفحة، تمَّت طباعته في مطابع الإيناس، وتتولى توزيعه مؤسسة الجريسي للنشر والتوزيع، ولأن الكتاب يُقرأ من عنوانه، فلا غرابة أن تحتل صورة الفنان الشاعر الأمير خالد الفيصل مكانها المناسب من غلاف الكتاب في تمازج وانسجام وتناغم إبداعي مع عنوان الكتاب ومضمونه..
وقد قدَّم المؤلف كتابه بإهداء جميل، يقول: إلى الذين يتشبَّثون بصفاء البادية وشميم تراب ونبات جزيرة العرب..
ويتكوَّن الكتاب من مقدمة وثلاثة فصول ونماذج مختارة.. ومما جاء في المقدمة قول المؤلف: (الشعر العامي في هضبة الوسط وما يليها من مرتفعات الحجاز بدأ تناميه وتمكن استئثاره بالأحداث منذ القرن العاشر والحادي عشر الهجريين، ولعل البدايات كانت فيما قبلهما بقليل)..
ويقول أيضاً: (أما التنبُّه للتدوين فقد كان متأخراً، ومن ثَمَّ حصل الخلط والنسيان، أو الصنع إذا لزم الأمر.. كما أن الكتابات التي لازمت الكثير من الشعر العامي لم تكن أمينة ولا موضوعية، والناس إلاَّ ما ندر تفعل فيهم المبالغات فعلها؛ لذا نرى أن الباحثين الجادين قد أشاحوا عرضاً عن هذا اللون، وعدُّوه من باب الخصوصيات الفلكلورية.. لكن شاعرنا خالد الفيصل لشعره خصوصية لا بد أن يقف عندها المثقف، وهو أن الرجل يقف في الوسط بين الفصحى الصحيحة والعامية المنغلقة.... إلخ).
ثم يستمر المؤلف في كتابه؛ حيث يدلج بنا إلى الفصل الأول، وعنوانه: مدرسة خالد الفيصل في الشعر العامي (المحلي).. وفي هذا الفصل يتحدث المؤلف عن المنهج النقدي ومقتضياته، وقد أجاد المؤلف في تناوله لهذا الموضوع مبيناً عدم جدوى الكثير من مماحكاتنا النقدية؛ لافتقارها إلى المنهج النقدي الواضح.. وبعد ذلك يستعرض الخصائص الشخصية والشعرية لخالد الفيصل استعراضاً واقعياً وجيداً يفصل بين شخصية خالد الفيصل الوظيفية والاجتماعية، وبين شخصيته الأدبية؛ ليرسم له صورة نقدية واقعية وصادقة.وفي الفصل الثاني الذي عنونه المؤلف: أصالة المنتج، يتناول دراسة إنتاج الشاعر خالد الفيصل متتبِّعاً مسيرته الشعرية من خلال قراءة قصائده وفق ترتيبها الزمني، متغلغلاً في مضامينها بعد أن تناول الأطر العامة في الفصل الأول..
أما الفصل الثالث فقد سماه: تأثير ما يُطرح.. وفيها تناول المؤلف تأثير إنتاج الشاعر خالد الفيصل على الساحة الشعرية المحلية، مبيناً مدى ما حقَّقه من إنجازات، وما استقطبه من شرائح الذوق الاجتماعي، ولافتاً النظر إلى تجاوز الشاعر لحدود الوطن وتخطيه لكثير من حدود الإنجازات السابقة والمعاصرة.. وبعد ذلك ينهي المؤلف كتابه بملحق النماذج التي اعتمدها، وقد ضمَّن هذا الملحق عدداً من قصائد خالد الفيصل اختارها كنماذج تُجسِّد مدرسة خالد الفيصل الشعرية بما فيها من العمق الإنساني والوطني..
هذه لمحة تعريفية، وأترك للقارئ الكريم الاطلاع والاستمتاع بقراءة هذا الإصدار وأقرانه.. مع صادق المحبة..
|