التصعيدُ الإسرائيليُّ

لا تقدّمُ إسرائيلُ أيَّ مبادرةٍ جادةٍ، ولا تعطي أيَّ شيءٍ للتسويةِ، ومعَ ذلك فهي تطلبُ ثمناً لمجردِ إعلانِها تفكيكَ بعضِ المستوطناتِ في غزةَ، وهو شيءٌ لمْ يتحققْ على أرضِ الواقعِ، ويُخفي الكثيرَ من الأطماعِ.
ولا تكتفي إسرائيلُ بمجردِ طلبِ الثمنِ، بلْ هي تأخذُه فعلياً، فهي تقولُ إنها مقابلَ الانسحابِ من غزةَ سوف تقومُ بتوسيعِ مستوطناتٍ في الضفةِ الغربيةِ، وفي واقعِ الأمرِ فقد شرعتْ فعلياً في ذلك، من خلالِ بناءِ الجدارِ الذي يضمُّ إلى إسرائيلَ 58 في المائةِ من مساحةِ الضفةِ الغربيةِ، بما في ذلك التجمّعاتُ الاستيطانيةُ الكبرى.
وتدركُ إسرائيلُ أنَّ الوقتَ الحالي هو الوقتُ المناسبُ لتنفيذِ كلِّ جرائمِها؛ من اغتصابٍ للأراضي، وتجريفٍ للمزارعِ، وقتلٍ للفلسطينيين؛ فإلى الجوارِ من فلسطينَ يوجدُ الجيشُ الأمريكيُّ بكاملِ عدّتِه وعتادِه في العراقِ، وهو وجودٌ يدعمُ السّياساتِ الأمريكيةَ المنحازةَ بشدّةٍ لإسرائيلَ، كما أنَّ الفترةَ الحاليةَ هي التي تسبقُ الانتخاباتِ الأمريكيةَ؛ حيثُ لا يجرُؤُ رئيسٌ أمريكيٌّ أو متطلعٌ للرئاسةِ على انتقادِ إسرائيلَ أو معارضةِ مشروعاتِها التوسّعيةِ.
وهكذا.. فإنَّ إسرائيلَ تبدو مزهوّةً بقوتِها العسكريةِ المتقدمةِ، سعيدةً بهذه الرعايةِ الأمريكيةِ التي لا تفتأُ تبرّرُ كلَّ جرائمِ إسرائيلَ، وتصفُها بأنها تأتي في سياقِ الدفاعِ عنِ النفسِ.
ولا تجدُ إسرائيلُ إزاءَ ذلك ما يمنعُ تشديدَ الحصارِ على الرئيسِ الفلسطينيِّ ياسر عرفات، من خلالِ قيامِها أولَ أمسِ بدفعِ المزيدِ من الآلياتِ والمدرّعاتِ باتجاهِ مقرِّ الرئاسةِ الفلسطينيةِ في تحرّكٍ استفزازيٍّ يعكسُ درجةَ الغرورِ التي وصلتْ إليها إسرائيلُ، ويواكبُ ذلك تصعيدٌ متنامٍ للعملياتِ العسكريةِ والتوغلاتِ والاقتحاماتِ للمدنِ والبلدانِ الفلسطينيةِ، وازديادُ قتلِ المواطنين الفلسطينيين.
ومع كلِّ هذا الإحساسِ الطاغي الإسرائيليِّ بالتفوقِ فإنَّها لن تنجوَ من ضربةٍ موجعةٍ من المقاومةِ التي لن تسكتَ عن كلِّ هذه الجرائمِ، وستجدُ لزاماً عليها الحفاظَ على جذوةِ النضالِ حيةً، مهما استكبرتْ إسرائيلُ، ومهما أبرزتْ مظاهرَ قوتِها وجبروتِها؛ فهي لن تضارعَ سلاحَ المقاومةِ المتمثلَ في تقديمِ النفسِ طواعيةً، وليس هناك سلاحٌ أمضى من ذلك.