Sunday 7th March,200411483العددالأحد 16 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من أين أتينا؟ من أين أتينا؟
أطروحة الأمن الوطني.. (هناك)
د. عبد الله بن ناصر الحمود

تناطح الشرق الأحمر والغرب الأشقر ردحا من الزمن ؛ لأن كلًّاً منهما كان يظن أن الآخر يمثل تهديداً استراتيجياً لأمنه الوطني. ووصل السباق المحموم للتسلح ذروته بابتكار أشنع الآليات والمواد القاتلة في النصف الأول من القرن الميلادي المنصرم، تحسبا لأي طارئ قد لا تحمد عقباه. ومن العجيب أن كل ما بين الشرق والغرب من دول وشعوب كان يحتل مكانة مرموقة جدا في (مدرجات الجمهور!!) يصفق لهؤلاء تارة، وتارة لأولئك، كلما تفتق عقل أحدهما عن منتج مدمر جديد يزيد من هيمنته على بقع الدنيا وإخضاعها بالقوة لبيت الطاعة. وتقادمت مقتنيات هؤلاء وأولئك من آليات القتل والإبادة، فلزم التصرف بها في مزاد علني للتصفية. ومن جديد، تقاسم العملاقان بقاع الدنيا مدافن لنفاياتهما المهيبة التي لزم التخلص منها جزءا من برنامج دولي إنساني!! للحد من التسلح!! ولعل الطقس الأكثر برودة في الشرق الأحمر قد دفع الأشقر للتفكير - من جديد - ومن أجل حماية (الأمن الوطني) أيضاً، لتبريد آليات الصراع، فأنتج عقله المتوقد دائما آليات جديدة لاكتساح الأحمر، ولكن - هذه المرة - من خلال الصراع البارد. وقد عملت البرودة عملها الجبار في البيئة الباردة، التي استكانت لتوافق الحال مع النسمة الباردة القادمة من مغرب الشمس. لكن الغرب كان قلقا حيث لم يعتد العيش - كل العيش - في تلك البرودة، فاستطاع أن يقلب الكفة لصالحه وأن يمزق الأحمر شيعا، ليعود كالعرجون القديم.
وهنا تم ضمان (الحمر)، وتمت السيطرة على كثير من خيراتهم، لو لم يكن منها إلا ما أصبح يحول من دولارات لحسابات شركات (الهامبرقر) و(المشروبات الغازية) التي بدأت تغزو أزقة الحمر ودهاليزهم. وتمت عملية الهضم - بنجاح - لكل ما هو أحمر، وبقي (الأمن الوطني) جائعا لكبش جديد. هنا.. تفتق العقل الأشقر من جديد عن حقيقة مفزعة للعالم: إن الأفغان، والعرب والمسلمين، والتركمان، والأكراد، وغير هؤلاء ممن ليسوا حمراً أو شقراً، قد باتوا يهددون الأمن الوطني (هناك). ولأن المقصد - هذه المرة - لا يرقى لحرب ساخنة أو باردة، بل لا يسوغ معه التحدث بلغة الحرب وتكتيكها، لأن (الناس مقامات!!) فقد تم اتباع آليات الضربات (الاستباقية)، فقط ليعرف الجميع أنه لن يمكن التفكير حتى لو كان ذلك التفكير مجرد فرضية لتهديد (الأمن الوطني) عندهم. ربما كان صحيحا!! أن يكون العيش بسلام لغير الشقر تهديدا للأمن الوطني الأشقر. وقد يكون مبررا ألا يسوغ التمتع بالثروات الأرضية والمائية إلا للأشقر، وبالتالي فمن كان لديه ثروة طبيعية ومخزون استراتيجي أسفل الأرض فهو - بالضرورة - يهدد الأمن الوطني ويستحق ضربات استباقية.
هنا.. تتمرد الحليفة الأكبر المترسخة وسط الزحام المغلوب على أمره، فتقترح على أسيادها (أو أنها هي السيدة) أن من جاورها استحق أيضاً ضربات استباقية، لأنه لا يفتأ يزعجها ويقلقها ويهدد (أمنها الوطني) أيضاً. بل لا بد من التعجل جدا ببرنامج عقوبات، لأن الأمر لا يحتمل الانتظار!! ولتأتي الضربات الاستباقية على مهل، عندما (تنضج الطبخة) جيداً، تلك الطبخة التي تبدو مركباتها قد جمعت في إناء واحد أو عدة أوانٍ، لكنها - دون شك - قد تم جلبها جميعا من سوق النخاسة، وتم توزيع مقاديرها بعناية بالقدر الكافي لأن تكون الطبخة جاهزة في كل مكان في الوقت المناسب. لأن (الأمن الوطني) هناك، بحاجة مستمرة للغذاء والماء والهواء.
ومن هنا تتكشف حقائق كثيرة، ربما لا ترقى لمستوى اليقين للنقص الحاد عندنا في عدد الطباخين والطهاة المهرة، ولكن - دون شك - هذه الحقائق تثير كثيرا من التساؤلات: أين غابت الشرعية الدولية في التعامل مع القضايا الدولية المعاصرة؟ هل سيكون مصير هيئة الأمم على غرار المصير الذي كان محتوما لعصبة الأمم، فكان؟ من أين سيخرج عقلاء في هذا العالم المتلاطم ليقولوا للجميع: (سكوت)، ثم ليعيدوا صياغة الشرعية الدولية وفق أسس الحقوق والواجبات المضمونة للجميع؟ من سيوقف النزف الدولي المتبجح بأطروحة: أنا.. ومن بعدي الطوفان؟ ربما أتينا من أننا بالغنا في تصورنا لحيادية القرارات الدولية، لأننا كنا وما زلنا نؤمن بالشرعية، فظننا أن الآخرين - أيضا - مثلنا يؤمنون، حتى لو كانوا كبارا، أو أننا قد غضضنا الطرف عن الكبار من قبيل التوقير والاحترام - ربما - ، غافلين عن أن هذا المنهج إنما أهلك من كان قبلنا...
لكن الكبير هو الله، والله المستعان على ما يصفون.

* عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved