الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد فان الله سبحانه لما أهبط آدم عليه السلام إلى الأرض قال: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ. وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
فقد تكفل سبحانه بإنزال الهدى.. وتكفل لمن اتبع هداه بالأمن من الخوف والحزن.
وقد صدق الله وعده سبحانه فأرسل الرسل وأنزل الكتب لإنقاذ البشرية من الظمات إلى النور. وأخبر أنه لا يقبل ديناً غير الإسلام فقال:{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} والإسلام هو عبادة الله في كل وقت بما شرعه على ألسن رسله ما لم ينسخ ولما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين جعل الإسلام في أتباعه وطاعته. قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} فرسالة محمد صلى الله عليه وسلم عامة لجميع الناس وشريعته ناسخة لجميع الأديان فهي الشريعة الباقية فلا طريق إلى الله وإلى جنته إلا من طريقه. قال صلى الله عليه وسلم: (لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي جئت به إلا دخل النار). والإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الإسلام الذي جاءت به جميع الرسل. وهو عبادة الله في كل وقت بما شرعه وترك عبادة ما سواه. وقد عرّفه العلماء بأنه الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله. فمن لم يستسلم له فهو ملحد مستكبر.
ومن استسلم له ولغيره فهو مشرك. وكل من المشرك والمستكبر في النار. ومن لم يتبرأ من الشرك وأهله لم يكن مسلماً لأنه لم يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله.
وكما ان الرسل وأتباعهم يدعون إلى الجنة فشياطين الجن والإنس يدعون إلى النار كما قال تعالى:{اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} . فالطاغوت يتمثل في كل من دعا إلى الضلال وحارب دعوة الإسلام وهم الدعاة الذين على أبواب جهنم من أطاعهم قذفوه فيها. كما أخبر عنهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولما قيل له صفهم لنا. قال:( هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا) فالخطر منهم علينا أشد لأنهم ملابسون لنا ويعيشون بيننا والعالم اليوم كما لا يخفى يتخبط في ظلمات لأنه أعرض عن شرع الله الذي هو النور. ومن خرج من النور وقع في الظلمات.
وأعداء الإسلام اليوم يتشدقون بالإصلاح والديمقراطية ويصفون الإسلام بالإرهاب وأما عملهم الفظيع في الشعوب المستضعفة، في فلسطين والعراق وغيرهما فلا يسمى إرهاباً بل يسمونه إصلاحاً فيسمون الإفساد في الأرض إصلاحاً كما قال الله تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ. أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ} ويسمون الفوضى والإباحية ديمقراطية. ويسمون الخروج من الدين حرية في الرأي والعقيدة.
وربما ينخدع بدعاياتهم الأغرار والجهال. ويفرح بها المنافقون والذين في قلوبهم مرض والأشرار. ولا منقذ للمسلمين اليوم من شر أولئك إلا التمسك بالإسلام الذي أنقذت به البشرية من الجاهلية. ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها. وهو التمسك بالإسلام عقيدة وعبادة ومعاملة وأخلاقاً وسلوكاً وذلك لا يتحقق إلا بمعرفة أحكامه وتفهم معانيه وذلك بإقامة مناهج الدراسة على علوم الشريعة من توحيد وفقه وتفسير وحديث ولغة عربية بحيث نتمسك بالمناهج الدراسية التي رسمها لنا علماؤنا وسرنا عليها وتخرجت عليها أجيالنا لأنها ثوابت لا تقبل التغيير والخلط ولا الحذف أو الاختصار. وقد استنفر الله المسلمين لتعلم أحكام الدين وتعليمها للمسلمين فقال تعالى:{فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}. إنه لا يكفي التسمي بالإسلام دون معرفة لأحكامه وعمل بشرائعه وتمسك بأخلاقه وسلوكياته كما يريده منا أعداؤنا وأذنابهم الناعقون بأصواتهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه لما أعطاه الراية يوم خيبر في حرب اليهود: (انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه) فلم يكتف صلى الله عليه وسلم بدعوتهم إلى الإسلام ثم إذا أسلموا تركهم. بل قال له: (وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه) وذلك إنما يكون ببيان حقيقة الإسلام عقيدة وشريعة وعبادة وأخلاقاً ولا يتحقق ذلك إلا بالتعليم الصحيح للإسلام. وان الكفار لما لم يستطيعوا صرف المسلمين عن الإسلام، ولا صد من يريد الدخول فيه أرادوا صرف المسلمين والراغبين في الدخول فيه عن تعلمه على الوجه الصحيح حتى لا يعرف المسلمون حقيقة الإسلام ويكتفوا بالتسمي به من غير معرفة لحقيقته وعمل بشرائعه وأحكامه وأن يكون الإسلام كالشرائع المحرفة المغيرة من يهودية ممسوخة منسوخة ونصرانية وثنية صليبية.
ولذلك يشجعون الفرق المتسمية بالإسلام وهي على ضلالة وانحراف لكي يضروا بها الإسلام الصحيح. فهم لا يمانعون في بقاء إسلام لا ولاء فيه للمسلمين. وبراء فيه من الكفار والمشركين. لا يمانعون في بقاء إسلام لا يحكم بتشريعاته، لا يمانعون في بقاء إسلام تجعل العبادة فيه لغير الله من الأولياء والصالحين. بقاء الإسلام يكون اسماً بلا مسمى وجسماً بلا روح.
ولكن الله سبحانه تكفل بحفظ هذا الدين وبقائه إلى قيام الساعة. قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى).
وقال تعالى:{وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ.بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ}.فاتقوا الله أيها المسلمون واثبتوا على دينكم {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.
ويا رجال التعليم أنتم الحراس على التعليم وأنتم على ثغرة من ثغور الإسلام. فالله الله أن يؤتى الإسلام من قبلكم فإن مسؤوليتكم عظيمة والأمانة التي حملتموها ثقيلة فكونوا على مستوى المسؤولية وموضع الثقة ولا تنسوا دعوات المسلمين لكم أو عليكم.وفق الله الجميع لنصرة دينه وإعلاء كلمته وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
(*) عضو هيئة كبار العلماء |