مبدأ المنافع المشتركة والمتبادلة لا يمكن أن يكون ذا فائدة إلا إذا كانت الأطراف على نفس المستوى من التقدم والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، لذلك فإن مجموعة الدول المتقدمة هي التي تملي شروطها وتستأثر بالعوائد، في حين أن البلدان التي تقع في أسفل السلم يتم تهميشها بالكامل.
هناك دراسة قدمت للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم حول العولمة ومنظمة التجارة العالمية, ويرى أحد الخبراء من خلال متابعته لما جرى خلال العقدين الماضيين ان المشكلة ليست فقط لان تلك الأنظمة تحتوي على بنية في داخلها بحيث تؤدي الى إجحاف بحق الأطراف الضعيفة, بل ان الأمر يفوق ذلك حيث ان البلدان الصناعية الكبرى قد بادرت بخرق قوانين الاقتصاد الدولي وعملت على اقتراح وتنفيذ بعض الأفعال والإجراءات المضرة في قطاعات محددة والتي لا تتناسب مع روح الاتفاقية العامة للتعريفة والتجارة ومما انتج مضاعفات عكسية وسلبية على البلدان النامية والعربية من بينها. ويقدم الخبير مثالاً صارخاً على ذلك وهو صناعة قطاع النسيج فقد بدأت الأزمة منذ منتصف الستينيات عندما وجدت تلك الصناعة نفسها في البلدان المتقدمة غير قادرة على التنافس مع الواردات من البلدان النامية في الحالة الطبيعية فمثل هذا الأمر وبحسب الخبير كان سيؤدي الى مسارين:أولهما اذا ما تم الالتزام بحرية السوق وبترك الأمر لقوى السوق كي تقرر ما يلزم فإن النتيجة تعني بأن صناعات النسيج في البلدان المصنعة ستغلق أبوابها او ان تعمل على تكييف نفسها للأوضاع التنافسية الجديدة إلا ان البلدان المصنعة لم تأخذ بذلك المسار.
أما البديل الثاني فهو أن تلجأ البلدان المصنعة الى بنود اتفاقية (الجات) طلباً للنجدة, ولكن ذلك كان سيؤدي الى وضع قيود على واردات النسيج عالمياً بما فيها الواردات مع البلدان المصنعة الأخرى ولهذا فإن هذا البديل لم يتم اللجوء له وتبنيه.
وفي المقابل اتبع الغرب المصنع ودوله بديلاً ثالثاً بعد أن قرر أن يتجاهل تماماً اتفاقية (الجات) بحسب هذا الخبير وان تقترح نظاماً جديداً لا يتطابق او ينسجم مع روح تحرير التجارة الذي تنادي به ذات البلدان، وقد عمل هذا النظام على الحد من استيراد أنواع عديدة من النسيج من بلدان العالم الثالث مما عاد بالضرر البالغ على الإنتاج ومعدلات التصدير لتلك الدول نظراً للطبيعة التمييزية لذلك النظام وتصميمه أساساً لاضعاف اقتصاداتهم, وقد أجبر الغرب البلدان النامية على التوقيع على ذلك النظام المجحف من خلال الضغوط الثنائية متجاهلاً روح التعامل متعدد الأطراف.
ويقدم هذا الخبير مثالاً آخر أكثر ضرراً بمصالح بلدان العالم الثالث وهو اجبارها من قبل البلدان المصنعة الرئيسية على التخلي عن الدعم الذي تقدمه لصناعاتها وتجارتها بالرغم من أن جولة طوكيو حول (مرونة الدعم) قد اعترفت للبلدان النامية بحقها في استخدام الدعم كوسائل مبررة من أجل تحقيق النمو والتنويع الاقتصادي للإنتاج والتجارة إلا أن ما حدث ومباشرة بعد التوقيع على مدونة طوكيو للدعم هو بدء الولايات المتحدة بحملة من خلال مفاوضات ثنائية مع البلدان النامية لإجبار الأخيرة على الحد من الدعم وإلا فستقتص من مساعداتها الإنمائية لتلك الدول ومن دعمها سياسياً.
ويذكر الكاتب ان المتتبع لما يجري يرى أن الأمور تزداد تعقيداً وتتفاقم خسارة بالنسبة للبلدان العربية والعالم النامي فالبلدان المصنعة الرئيسية تحاول أن تحقق أهدافها من خلال منظمة التجارة العالمية عن طريق مبادرات ومقترحات اقحامية تذهب الى ما وراء فتح الأسواق لمنتجاتها وسلعها فهي تضغط باتجاه توسيع الفضاء الاقتصادي بالنسبة لشركاتها الصناعية وفعالياتها الاقتصادية ومستثمريها واولئك المشتغلين باقتصاد الخدمات, في الوقت الذي تزيد من اجراءات الحماية لأسواقها وتصدر لوائح وقوانين للحد من التدفق السلعي من البلدان النامية وبحجة عدم خضوعها للمواصفات أو لضررها بالبيئة أو عدم ملاءمتها اجتماعياً.
ويقدم الكاتب من أجل دعم أطروحته التحليلية بهذا الصدد بعض الأمثلة التي تدل على ما يحدث في إطار منظمة التجارة العالمية من إجراءات تعود بالخسائر على البلدان العربية وبلدان العالم الثالث نذكرها في المقال القادم بإذن الله.. وعلى الله الاتكال.
|