لا ألوم أسر المدمنين على كثرة شكواهم ولا على ما يلاقونه من معاناة في سبيل تخليص عضو الأسرة من إدمانه؛ لأن نجاة المدمن من غول الإدمان هو أيضاً تخليص للأسرة من شر كبير يحمل معولا لا يكل ولا يمل يهدم به كل ما هو نبيل وجيد داخلها. ولأن العواقب الناتجة عن إدمان عضو الأسرة لا تقتصر عليه، ولأن تلك النتائج تطول الأسرة وتؤثر في أفرادها فلا عجب أن يطلق مصطلح (الأسرة المشتركة في الإدمان) Co-dependent family على أي أسرة يوجد بين أعضائها مدمن. ولذا، فإن علاج الإدمان لا يقتصر على معالجة الفرد المدمن وحده، وإنما العلاج يجب أن يطول أطرافا متعددة تأتي على رأسها الأسرة.
ولعله من بداهة القول أن علاج المدمن عملية يشترك فيها أربعة أطراف رئيسة هي:1- المدمن نفسه 2- أسرة المدمن 3- المستشفى أو المصحة العلاجية 4- المجتمع. وفيما يلي سوف آتي باختصار على كل عنصر من تلك العناصر؛ فمسؤولية المدمن في العلاج تأتي من خلال استبصاره بمشكلته، واقتناعه بأهمية العلاج، وهذا لا يكفي إن لم يصاحب ذلك عزم وعمل؛ عزم للتخلص من المشكلة، وعمل ينفذ به العزم. وقد حدد بروتشاسكا rochaska وزملاؤه (1992) عددا من مراحل التغير التي يجب أن يمر بها المدمن لينجح في التخلص من مشكلته. تلك المراحل هي:
1- ما قبل النية pre-contemplation
2- النية contemplation
3- الإعداد preparation
4- الفعل action
5- المحافظة على الفعل maintenance
وعلى ذلك فإن نجاح علاج المدمن يتعرض للفشل إذا لم يكن لديه الاستبصار والاستعداد والإعداد والعمل على التخلص من المشكلة. أيضاً من العوامل التي تعترض نجاح العلاج (من قبل المدمن) عدم وجود الدافع الملائم للعلاج، مقاومة العلاج والبرنامج العلاجي، الدفاعية، وعدم قدرة المعالج على الانتماء والتواصل مع المحيطين.
أما مسؤولية الأسرة في علاج الإدمان فتبدأ من وقت اكتشاف التعاطي، بالتدخل المبكر من خلال استشارة المختصين, وتستمر المسؤولية قبل إدخاله المصحة وأثناء وبعد العلاج. وقد أثبتت الدراسات دور الأهالي وخصوصا الزوجات في نجاح علاج المدمن.
أما بالنسبة لدور المستشفى في علاج حالات الإدمان، فإنه يتلخص في ثلاثة أمور أساسية هي:
1- مرحلة إزالة السميات، والتعامل مع الأعراض الانسحابية.
2- مرحلة التأهيل النفسي والاجتماعي والمهني للمريض.
3- مرحلة المتابعة.
ولكل مرحلة من تلك المراحل أهداف محددة وما يرتبط بتحقيق تلك الأهداف من تعامل مع المرضى أنفسهم ومع أسرهم ومع المجتمع ممثلا بمؤسساته الرسمية والأهلية. وعلى هذا فإن دور المستشفى في التعامل مع حالات الإدمان هو دور محدد وله وقت معلوم يحدده أعضاء الفريق العلاجي بناء على حالة المريض. كما أن المستشفى لا يمكنه بأي حال من الأحوال النجاح في علاج المريض المدمن دون تعاون ومشاركة الحلقات الثلاث الأخرى وهي المريض نفسه، وأسرته، وكذلك المجتمع.
ويأتي دور المجتمع من خلال مؤسساته الرسمية والأهلية ومن خلال أفراده مكملا لتلك الحلقات، حيث إن المدمن قبل إدمانه وأثناء الإدمان وكذلك بعد تعافيه هو مواطن له حقوق وعليه مسؤوليات؛ فلا يمكن أن يكتمل تعافي المريض دون قيام المجتمع بمسؤولياته تجاه أبنائه. فلو أن فردا ابتلي بالإدمان، وفقد نتيجة لذلك وظيفته وأسرته وعلاقاته بالأقرباء، والأصدقاء والمحيطين به، وعندما شعر بمشكلته تلك سعى بمشاركة وتعاون من أسرته للعلاج عن طريق المستشفى، وتابع العلاج بعد خروجه من المستشفى أيضاً بتعاون ومشاركة من الأسرة، ولكنه حاول أن يعود إلى وظيفته فلم يعطه رئيسه في العمل الفرصة للعودة نظراً لتاريخه الإدماني، وإذا حاول العودة إلى شبكة الأصدقاء الأخيار وجد الصدود منهم والتشفي، وإذا أراد الالتحاق بوظيفة جديدة لم يفلح في الحصول عليها إما لوجود سابقة عليه (ليست سابقة إدمان وإنما سابقة قبض وسجن لسبب آخر كالسرقة)، أو لضعف تأهيله المهني. هنا قد يكون المجتمع (من خلال عدم فهمه حقيقة الإدمان، وعدم قيامه بدوره تجاه المدمن المتعافي) سببا في انتكاسته والعودة للتعاطي مرة أخرى.
وبناء على ما سبق يمكن القول إن نجاح العملية العلاجية للإدمان يعتمد بعد توفيق الله على تكامل تلك الحلقات الأربع وقيام كل منها بدورها كاملا. والفشل بناء على ذلك يأتي من عدم التكامل وعدم قيام كل منها بدورها أو من عدم فهم كل حلقة دورها أو عدم فهمها دور الحلقة الأخرى فهما صحيحاً.
كذلك فإن بعض الأسر تشتكي من عدم إبقاء المريض مدة طويلة في المستشفى للعلاج. وهنا يجب القول: إن برامج علاج الإدمان في جميع المصحات العالمية لها مدة محددة (تتراوح بين ثلاثة وأربعة أسابيع) وبعدها لا بد من خروج المريض للمجتمع والاندماج فيه مرة أخرى بثوب جديد. ولكن خروج المريض لابد أن يصاحبه قيام كل من المستشفى (من خلال التتبع والرعاية اللاحقة) والمتعافي (من خلال الالتزام بتعليمات الفريق العلاجي، ومراجعة المستشفى) والأسرة (من خلال استقبال المريض ووضع الثقة فيه وتشجيعه على المتابعة) والمجتمع (من خلال تقبل المريض، ومساعدته للحصول على وظيفة) بدوره.
والمستشفى أولا وأخيراً هو مصحة علاجية، وليس دار إيواء كما يتوقع البعض. كما أن بقاء المريض مدة أطول من اللازم هو في الحقيقة ليس في صالحه علاجيا، وهناك حالات أدى بقاؤها الطويل في المستشفى إلى انتكاسة سريعة بعد الخروج. كما أن البعض اعتاد على جو المستشفى واعتبره بيتا له، مما أدى إلى خوفه من الخروج ومواجهة المجتمع، وقد يتعاطى ساعة خروجه من المستشفى ليعود إلى بيته (المستشفى) سريعاً.
أم الأمر الآخر فهو أن بقاء المريض بعد انتهاء الفترة العلاجية (دون داع علاجي) يأتي على حساب دخول مريض آخر هو بحاجة ماسة للعلاج. فكما هو معروف أن لكل مستشفى سعة سريرية محددة، لا يمكن تجاوزها، وبالتالي لا يمكن قبول مريض دون أن يكون هناك سرير شاغر له. وفي هذه النقطة بالذات إجابة على شكوى زوجة أحد المدمنين التي كانت تشتكي من أن المستشفى اعتذر عن قبول زوجها بحجة عدم وجود سرير شاغر.
وهنا أوجه نصيحة للأسر ممن يسعون لإبقاء مريضهم مدة أطول (سواء عن طريق جلب التوصيات من إمارة المنطقة، أو عن طريق طلب المسؤولين في المستشفى) بعدم جدوى ذلك للأسباب آنفة الذكر. هذا إضافة إلى أن المرضى يعرفون مدة البرنامج العلاجي إما من خلال خبراتهم السابقة، وإما من خلال الفريق العلاجي، وإما من خلال المرضى الآخرين، وبالتالي فهم يعرفون أن بقاءهم مدة أطول لم يأت إلا عن طريق توصية من الأهل حتى وإن لم يقل ذلك لهم عضو الفريق العلاجي. لذا، فإن المضار الناتجة عن التوصيات أكبر بكثير من نفعها.
موضوع آخر هو شكوى بعض الأسر من خلط المدمنين مع بعضهم البعض مهما كان نوع المادة التي يتعاطونها، مما يؤدي بالتالي إلى تأثرهم ببعضهم فيخرج مدمن الكحول مثلا وقد تعرف على الهيروين أو الحبوب المنشطة. وموضوع كهذا جدير بالنقاش، حيث إن موضوع خلط المدمنين أمر بين مؤيد ومعارض؛ فالمؤيدون يرون أن المدمن (أيا كان نوع المادة التي يتعاطاها) جاء إلى المستشفى أصلا للعلاج من حالة إدمان. والإدمان علمياً واحد، وإن اختلفت التأثيرات الجسمية والعقلية حسب المادة المتعاطاة؛ أي أن المدمن يمر أثناء إدمانه بمراحل متشابهة، كما أن العواقب الناتجة عن الإدمان أيضاً متشابهة بغض النظر عن نوع المادة الإدمانية. وبما أن الإدمان هو شيء واحد مهما اختلفت المادة المدمن عليها، فإنه بالنسبة للأسرة وبالنسبة للمجتمع لن يتغير شيء لو أن مدمن الكحول أدمن الهيروين أو غيره. كما أنه من ناحية علاجية من المفيد للمدمن أن يعرف مخاطر المواد الأخرى (من خلال المناقشات العلاجية التي تتم بين جميع المدمنين وأعضاء الفريق العلاجي خلال جلسات العلاج الجماعي)، وبالتالي يمكن تجنبها. كما يرى مؤيدو اختلاط المرضى أن وضع مدمني كل مادة إدمانية بمعزل عن الآخرين صعب التحقيق من الناحية العملية؛ لأن المواد الإدمانية كثيرة ومتعددة وكل يوم يظهر نوع جديد منها، وبالتالي يصعب إيجاد أجنحة خاصة بكل نوع إدماني. ويفترض مؤيدو اختلاط المدمنين أيضا أن المدمن جاء للمستشفى للعلاج، وليس للبحث عن بديل إدماني آخر، ولأنه في الأصل تعلم الإدمان من خارج المستشفى، فلن تعييه الحيلة أن يتعلم تعاطي مادة أخرى خارج المستشفى وأن يجدها فيما لو أراد ذلك. وحتى لو تم الفصل فهناك سلبية أخرى وهي اختلاط مراحل التقدم في العلاج.
أما معارضو هذا التوجه فيرون أن اختلاط المدمنين، مهما كانت المادة المتعاطاة، يؤدي إلى اكتساب وتعلم المريض الإدمان على مواد أخرى لا يعرفها أصلا. كما يرون أنه من ناحية علاجية فإن لكل مدمن مادة إدمانية معينة.
* أستاذ الخدمة الاجتماعية المساعد في جامعة الملك سعود بالرياض |