تعتبر مشكلة تعاطي وانتشار المخدرات من أخطر المشاكل التي تواجه الفرد والأسرة والمجتمع في العصر الحديث؛ حيث أصبحت متفشية في كل أنحاء العالم؛ نظراً لتنوع المخدرات وانتشار تجارتها بصورة واسعة، فيقع الإنسان فريسة إدمان المخدرات والمنبهات والمتغيرات عن جهل وضعف للوازع الديني. كما أن التقدم العلمي والتكنولوجي والمسكرات وثورة الاتصالات والإنترنت والعولمة جعلت من هذا العالم قرية صغيرة، ولكن رغم هذا التطور إلا أنه جلب معه مفاسد كثيرة بسوء استخدامه، وخاصة ما تطرحه الفضائيات ووسائل الإعلام المرئية من عروض وأفلام وبرامج تساعد على انتشار المخدرات؛ حيث تظهر في بعض أفلامها أن تعاطي المادة المخدرة سيزيد من إمكانات الشخص وقدرته المعرفية والسلوكية، ويزيل جميع الهموم التي تواجهه. من خلال هذا التحقيق نطرح مدى تأثير وسائل الإعلام، وخاصة الفضائيات، على انتشار المخدرات في أوساط المجتمع.
في البداية يتحدث أستاذ علم الاجتماع والجريمة الدكتور عبدالله اليوسف قائلاً: مما لا شك فيه أن إدمان المخدرات والمؤثرات العقلية يشكل خطراً كبيراً على الأفراد والمجتمعات البشرية على حد سواء؛ لما يسببه الإدمان من آثار جسمية ونفسية واجتماعية واقتصادية، مما ينعكس على الفرد والمجتمع في آنٍ واحد. وتأثير الإعلام والقنوات الفضائية على إمكانية تعاطي الشباب للمخدرات يمكن النظر إليه من زوايا مختلفة؛ فالإعلام بشكل عام سلاح ذو حدَّين، من الممكن أن يكون عاملاً من عوامل الهدم والانحراف إذا أسيء استخدامه من خلال عرض برامج غير مدروسة أو هادفة تؤثر سلباً على انحراف الشباب، ومن الممكن أن يسخر لمنفعة الشباب.
وأردف قائلاً: يمكن القول عن تأثير وسائل الإعلام على الجريمة واستخدام المخدرات: إنها قضية محل جدل ونقاش من حيث مدى تأثيرها المباشر على تعويد الناشئة على محاولة التخريب واستخدام المخدر. على أنه مما لا شك فيه أن لوسائل الإعلام والقنوات الفضائية دوراً غير مباشر في إبراز المخدرات بشكل مشوق وجذاب قد يدفع البعض إلى التفكير في استخدامها من باب الفضول والرغبة في التخريب إذا توافرت عوامل جذب أخرى تدفع الشباب إلى الاستخدام؛ مثل: الصحبة السيئة، أو توفر العقار، أو غيرها من العوامل المباشرة التي قد تدفع إلى الرغبة في التجريب واستخدام المخدر.
من جانبه، أوضح الدكتور صالح بن سليمان الحربي استشاري طب أسرة ومجتمع أن الجميع يعرف أن القنوات الفضائية تلعب دوراً بالغ الأهمية في إعلام الدول من حيث إنها وسيلة اتصال إعلامية، بالإضافة إلى وجود مجتمعات مستقبلة لكل ما يُبَثُّ في القنوات الفضائية.
والجميع يعلم خطورة هذه القنوات وما لها من أثر على انتشار الكثير من العادات السيئة والخطيرة، وأنها تقدم صورة مزيفة للواقع.
وأفاد الدكتور الحربي أن ظهور المخدرات ربما يكون إفرازاً عن ثقافة التلفزيون، والقنوات الفضائية هي وسيلة العرض التي حملت التجربة لهذا الجيل؛ ففي العام 1964 إلى 1968، بالضبط حينما بدأ الجيل الأول من جيل التلفزيون بلوغه في الرشد، تضاعفت نسبة الشبان المقبوض عليهم كمتعاطين لمخدرات خطيرة، وخاصة مَن هم في سن 10- 18 سنة.
وقال الدكتور الحربي: لا يوجد دليل قوي على وجود ارتباط سببي بينهما، ولكن هنالك عوامل خاصة بشخص المتعاطي النفسية، وعوامل خاصة بالمال؛ مثل التوافر والسعر، وكذلك عوامل خاصة بالبيئة والأسرة والمجتمع والأصدقاء، وعوامل أخرى؛ منها: الإعلانات والإعلام والقنوات الفضائية. ولكن هنالك توافق غريب في التوقيت بين ما تبثُّه القنوات الفضائية وانتشار المخدرات؛ حيث يطرح فكرة الصلة بين التجربة التلفزيونية وتعاطي الشباب للمخدرات.
وذكر الدكتور الحربي أنه ورد في إحدى الدراسات عن تعاطي المراهقين للمخدرات على لسان شاب في التاسعة عشرة من عمره قوله: (من المؤكد أنني أتعاطى المخدرات وأحس بشعور طيب؛ حيث يبطئ العالم قليلاً، فأنا أصغي إلى نفسي بصورة أفضل كما في فيلم بالحركة البطيئة أو برنامج تلفزيوني ذي شاشة صغيرة). ويروي شاب في السابعة عشرة من عمره: (لقد تعاطيت المخدرات، وجعلتني أفكر في نفسي، ولقد شاهدت ذلك كأنما في برنامج تلفزيوني).
وأشار إلى أن هنالك كتابات ظهرت تتحدث عن انغماس هذا الجيل في المخدرات؛ مما جعل فيه تغيباً للعقل وموائمة مع بعض مظاهر بيئتهم. ومن أهمها كتاب صدمة المستقبل للكاتب (ألفين توفلر)؛ حيث يقول: إن زيادة الإثارة على المستوى الحسي تتعارض جوهرياً مع قدرة الناس الفعلية على التفكير، وتؤدي إلى استجابة تكيفية تشمل الانسحاب والخمول ورفض العقل والتفكير العقلاني إجمالاً.
وكتب توفلر: (الولايات المتحدة دولة يهرب عشرات الآلاف من شبابها من الواقع عن طريق اختيار النوم (السبات) تحت تأثير المخدرات. إننا نتلاعب في طيش شديد بالشروط البيئية المسبقة للعقلانية من خلال التلفزيون).
ويفسر الدكتور الحربي تأثير القنوات الفضائية على الناحية النفسية والعقلية لدى الشباب قائلاً: قارن حالة اليقظة الشعورية التي تقيس في مقابلها جميع حالات الوعي الأخرى التي قد تُعتبر شاذة أو متغيرة ببعض المظاهر الشائعة للتجربة التلفزيونية، فالجميع يعلم أن عقولنا في معظم لحظات يقظتنا تتلقى مجموعة متنوعة من المواد الحسية، ونشرع في تحويلها إلى أفكار مع مرور كل لحظة من لحظات اليقظة. يقارن العقل ويفكر ويزن الأمور ويراجع ويضفي المعاني على المادة الحسية الآتية إليه من العامل الخارجي بشكل تلقائي، وحين تُهمل عقولنا في تجربة تلفزيونية فإنها تستقبل بيانات إدراكية لكل إحساسات التجربة تملأ العقل تماماً على نحو يفوق بكثير التجارب العادية للحياة الواقعية.
فالمشاهد، ولا سيما المشاهد صغير السن، تستغرقه التجربة التلفزيونية كلية إلى حد يجعل إتمام ممارسة الإحساسات أصعب من ممارسة الأشياء الواقعية.
وعندما يتلقى الصور التلفزيونية عند وصولها يقوم بتخزينها سليمة بدون تفكير أو تفسير، وهذا يُسمَّى انتباهاً ومشاهدةً سلبيةً.
|