تابعت ذات يوم قناة (الحرة) الأمريكية الوليدة، التي دشنتها لتغزو العقل العربي بقيمها ومبادئها التي تراها أمريكا المخرج الوحيد للبشرية من الظلمات إلى النور وكأي مراقب لتحولات السياسة والمبادئ الأمريكية في الحقبة الراهنة لم أفاجأ بما ورد فيها، بل لم يتجاوز ما كان متوقعاً، من محاولة تقنين تحرك الوطن العربي شعوباً وحكومات لتدور في فلك التوجيهات الأمريكية، حتى وإن تم ذلك على حساب فنائه وإجلائه من أرضه وعن مكتسباته، وأكبرنا جدية تلك القناة في وعيها لرسالتها!!
وليس في الأمر ما هو غريب على الإطلاق.. لكن ما دعاني إلى هذه المقدمة لما أريد، هو دعوة للمقارنة بين هذه القناة وقنوات رجال أعمال ومال سعوديين في القالب والمضمون.
فبينما تجول هذه المقارنة العبثية في ذهني من واقع (كيف يستثمرون الإعلام ويوجهونه وكيف نستثمره نحن؟) أتحفنا أبو بدر أخي وزميلي حمد القاضي كعادته في زاويته جداول بهذه الصحيفة يوم السبت 8-1-1425هـ أتحفنا بحديثه الذي أتمنى ان ينفذ إلى سويداء قلوبنا جميعاً.وإنني إذ أشاطره الألم في كون (هذه القنوات إنما تسعى إلى تشكيل ثقافة هذا الجيل وعاداته وقيمه على أسوأ ما يكون التشكيل، وهنا تمكن الخطورة والخطر!) يؤلمني أكثر كما آلمه ان تكون بعض هذه القنوات يملكها وينفق عليها ويشرف عليها مواطنون سعوديون (!!) رزقهم الله المال، في حين كنا نؤمل ان تكون قنواتهم سفارات لبلادنا، ومنائر تبشر بنهج بلادنا التي ينظر إليها العالم الإسلامي أجمع على أنها امتداد للدولة الإسلامية الأولى، فهي مهبط الوحي، ومنبع الأصالة والنقاء، ورأس العالم الإسلامي.
وإنني أرجو ان لا يكون هؤلاء ممن قال الله عنهم: {كَلا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى . أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى}.
وعندما كنت في مؤتمر مؤسسة الفكر العربي الذي انعقد مؤخراً في بيروت عن التعليم، حدث لقاء جانبي وفي جلسة خاصة ان تناول الحضور العديد من الجوانب الفكرية في الوطن العربي، وكيف تشن بعض القنوات الفضائية العربية حملة ضد قيم أمتها وأخلاقها، وعندئذ وجه إليّ أحد المثقفين العرب خطابه قائلاً: إنكم في السعودية وأنتم دولة ذات أصالة ولها رسالة ودولة الحرمين الشريفين، نتعجب من ظهور قنوات على الساحة منسوبة لعدد من رجال الأعمال والمال السعوديين، تتبارى في بث البرامج التي تحارب الفضيلة وتخدش الحشمة، وتجمع السوء كله، كأنها تسير في خط مضاد للذي تسير عليه المملكة العربية السعودية.
وقال لي آخر: إذا كانت هذه القنوات تخدش الحياء فكيف يأتي المعلنون في السعودية لتعزيز هذا الفجور بإعلاناتهم فيها، إنهم بطبيعة الحال يعينونها على الاستمرار في أداء رسالتها البعيدة عن سواء الصراط، فبأي شيء عساني أجيب؟!
إن المواطن الذي ينتمي إلى بلادنا بأصالتها ودينها ليتعرق خجلاً ويتعرض لمواقف حرجة أمام تساؤلات الآخرين ممن يظنون خيراً بقادة هذه البلاد - حرسهم الله بعينه التي لا تنام، وبمواطنيه، وهم يستكثرون عليهم ان تتم هذه الشناعات عبر الأقمار الصناعية بأموال سعودية، وهم في هذه الجزئية قد شابهوا قوماً ليسوا مؤمنين ممن كانوا ينفقون أموالهم للصد عن سبيل الله، فكان جزاهم ان بشرهم الله بأن أموالهم (ستكون عليهم حسرة).
فلا يملك المرء وهو يشاهد ما تبثه هذه الفضائيات الممولة من أبناء أمته ووطنه إلا ان يقول (حسبنا الله ونعم الوكيل) فهي لعمري عار على جبيننا جميعاً وليس فقط على جبين أولئك الذين تبجحوا بتمويلها وتبني رسالتها، أو من ليسوا بعيدين عنهم ممن يساعدونها على الاستمرار في سخفها، أعني المعلنين فيها.
وكما قال أخي الكاتب الرائع (خالد السليمان) في زاويته الجهات الخمس بصحيفة (عكاظ 9- 11425) لما توقف عند المسؤول عما يجري.. فأجاب نفسه: (مسؤولية الجميع مسؤولية المشاهد الذي يعطيهم مبرر الاستمرارية ومسؤولية المغني - وهو يتحدث عن إباحية فيديو كليب - الذي يسمح بان يكون جزءاً من فيلم إباحي يستتر خلف فنه ومسؤولية الشركات التي تنتج هذه الأغاني ومسؤولية المحطات التي تبثها، ولكن المسؤولية الكبرى هي مسؤولية الحكومات العربية التي يجب ان تضع معايير أخلاقية محددة لما يجوز بثه في فضاء مشاهديها قبل ان يأتي اليوم الذي تصبح فيه معايير الغرب المنفلتة أكثر محافظة من معاييرنا).
وأضيف: إن خطباء المساجد وأرباب القلم والبيان يتحملون وزر عدم الإنكار والمناصحة. وبهذه المناسبة أدعو كل قارئ ان يشارك في مواجهة هذه الحرب التي تشنها بعض الفضائيات ضد القيم والمبادئ بالقدر الذي يستطيع، وبالسبل السلمية التي تحقق الغاية، ولا تزيد الجرح نزفاً أو فحشاً، وأدعوه أن يقاطع كل بضاعة يعلن عنها في هذه القنوات الرخيصة، وسوف يجد ثواب ذلك في كتاب {لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}.
(*)عضو مجلس الشورى |