تواصلاً لما بدأناه يوم الأربعاء في الحديث عن رياح الإصلاح التي تهب على الدول العربية، وتكاثر المبادرات الغربية التي تستهدف تفصيل (ثوب غربي للإصلاح) والذي عرضنا بعضاً من أهدافه، والمثالب التي تجعل السعي الغربي مريباً وغير صافي النية تماماً.. إلا أنه ومع اختلافنا مع النوايا الغربية و(الحماس المفاجئ) لفرض الإصلاح على المنطقة العربية وفق المنظور الغربي، فإننا يجب ألا نغلق الباب تماماً أمام رغبات التعاون، واختيار ما يصلح لنا كمسلمين وعرب والذي لا يعترض مع شريعتنا الإسلامية وهويتنا العربية ولا يضر بمصالحنا القومية.
وهنا سيكون مدخلنا للحديث عن الموقف العربي والتحرك الذي كان عنوان واهتمامات وزراء الخارجية العرب الذين بدأوا سلسلة اجتماعات في مقر جامعة الدول العربية تواصلت طوال الأسبوع الماضي.
والذي تسرب من اجتماعات الوزراء واستناداً إلى أقوال الوزراء وأمين عام جامعة الدول العربية يشير إلى أن الدول العربية لم تخرج باتفاق تام حول هذا الموضوع الذي يظهر ان بعض الدول العربية لم تتعامل معه التعامل المطلوب واعتبرته كأي بند اعتيادي، وليس موضوعاً مصيرياً لا يهدد الأنظمة العربية ولا الكيانات السياسية، بل يتجاوز ذلك إلى تهديد انتمائنا الإسلامي وهويتنا العربية.
فالمبادرات الغربية تنطلق جميعها مما يسمى بمشروع (الشرق الأوسط الكبير) وهذا المشروع استنساخ لمقترح رئيس وزراء إسرائيل الأسبق شيمون بيريز، وأهم ما يسعى إليه هذا المقترح تغييب القضية الأساسية والرئيسية للمسلمين والعرب وتطبيق المبادرات الغربية بمثل ما يقدمها الأمريكيون والألمان والدنماركيون وأعضاء الحلف الأطلنطي يجعل من هذه القضية المترسخة في الوجدان العربي بصفة خاصة والوجدان الإسلامي بصفة عامة الضحية الأولى لمشروع الشرق الأوسط الكبير.. أما الضحية الثانية فهي تقليص الارتباط العربي بالانتماء الإسلامي من خلال تهميش الدور الإسلامي وإضعاف الهوية العربية.
والغريب ان مقدمي المبادرات الغربية يقولون بان الهدف الأساسي لإطلاق الإصلاح هو دفع التنمية والتطور في حين يعلم الغربيون تماماً ان من أهم أسباب التخلف وتراجع التنمية في الوطن العربي هو انشغال العرب في مسألة الصراع العربي الاسرائيلي لأن هذه القضية التهمت الإمكانات العربية المادية والفكرية وأشغلتهم وأبعدتهم عن الاهتمام بالقضايا الهامة ومنها مواكبة التطور وتحقيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية وحتى الفكرية، ولهذا فإن أولى الاهتمامات وأهم الركائز التي يجب ان يبنى عليها التحرك العربي لتحقيق الإصلاح هو العمل على معالجة هذه القضية وإقناع المطالبين بالإصلاح من خارج الحدود العربية التعاون بصدق وأمانة لحل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً وشاملاً يجعل الولوج للإصلاح والتفرغ له عملاً مجدياً ونافعاً.
ولكن ومع هذا فإنه لن يعد مقبولاً أيضا تأجيل عمليات الإصلاح الداخلي والإصلاح القومي من خلال التعامل بنظرة (عروبية) لحل الإشكالات بين الدول العربية وإطلاق المناقشة داخل الشعب الواحد من خلال آليات للحوار الجاد والحقيقي للوصول إلى حلول نابعة من الداخل، حتى لا تصبح أوطاننا مساحة لتقبل الحلول من الخارج والتي لا تهدف إلا لخدمة مصالح من يصدرون هذه الحلول على شكل مبادرات.
|