نظمت الجمعية السعودية للإعلام والاتصال الاسبوع الماضي برعاية معالي وزير التعليم العالي أول لقاء للجمعيات العلمية والمهنية في المملكة، حيث اشتركت أكثر من ستين جمعية في فعاليات المشاركة والحضور لهذا اللقاء المنعقد بجامعة الملك سعود وقد كانت مناسبة جيدة لتداول بعض هموم الجمعيات في المملكة.
وكانت مجالات النقاش والحوار في هذا اللقاء واسعة تمثلت في سبعة محاور بعضها كان متجهاً إلى القضايا الكبرى.. وبعضها متجهاً إلى القضايا التفصيلية.. وتجمع هذه المحاور حالة من الإلحاح في الطرح، ورغبة من الجميع في التناول..
وعلى الرغم من أهمية كل محور من هذه المحاور، إلا أنني أرى أن من أهم هذه المحاور محورين مهمين، ينبغي ان نتوقف أمامهما كثيراً، نمعن النظر في تبعاتهما وتأثيرهما على مسيرة الجمعيات السعودية.
أولهما يتمثل في الإجابة عن سؤال.. أين نحن - الجمعيات العلمية والمهنية - في مجتمعنا؟ اين نقف؟ وماهي حدود الممكن الحاضر وتوقعات المستقبل القادم؟ والجمعيات - كما يعرفها الجميع - هي منظومة من مؤسسات المجتمع المدني؟ ولكن اين مؤسسات المجتمع المدني في خارطة التحديث وأولويات الإصلاح؟ وماهو الدور المتوقع من هذه المؤسسات؟
نحن نعرف ان الدولة تساوي المجتمع السياسي إضافة إلى المجتمع المدني.. ومؤسسات المجتمع المدني هي رديف أساسي وشريك فاعل في خدمة أهداف الدولة ومصالح المجتمع.. ولكن نسأل: هل توجهت خططنا وبرامجنا وأهدافنا في هذه الجمعيات إلى ما يحقق أهداف الدولة ويلبي احتياجات المجتمع؟
ثم نأتي إلى سؤال مهم وجوهري، يتمثل في المحور الثاني:
ماذا قدمت هذه الجمعيات من أعمال وبرامج ونشاطات ترتقي إلى مستوى التحدي الذي يواجه مجتمعنا وبلادنا، سواء على مستوى التحديات الخارجية، اوعلى صعيد التحديات الداخلية؟ وطبعاً، نحن ندرك ان قوة ونجاح مؤسسات المجتمع المدني في مجتمعنا هي قوة في السياج الذي يحيط بأمننا ومصالحنا، ومتانة في العلاقات الاجتماعية، وتماسك أكبر في الوحدة الوطنية..
الجمعيات العلمية هي ركيزة من الركائز الأساسية لتوجهات الدولة في تنمية ودعم وتشجيع مؤسسات المجتمع المدني.. ولهذا فإن العالم من حولنا ينظر بكل تقدير إلى مجتمعنا كلما نمت فيه هذه المؤسسات، وكلما تفاعلت هذه المؤسسات مع المجتمع وقضاياه وهمومه.. وقبل أن نجد التقدير من الخارج فنحن فعلاً نقدر للدولة اهتمامها بهذه الجمعيات، حيث وافقت على تأسيس هذه الجمعيات في مختلف الجامعات والمناطق والتخصصات لتؤدي دورها في مجتمعها على افضل وجه.
وهذا سؤال آخر..
أين دور الجامعة؟ فمن الملاحظ أن هذا الدور غير واضح؟ وعلاقة الجمعية بالجامعة يشوبها الكثير من الغموض؟ وقد تنتهج الجامعة بعض التشدد، وبعض سوء الفهم، بعض اللبس، بعض التسويف.. بعض التأخير.. ولكن لنطرح هذا السؤال:
إذا كانت أكثر من خمسين في المائة من الفعاليات العلمية للجامعات هي من نتاج الجمعيات العلمية.. وإذا كان خمسة وسبعون في المائة من نشاط الجامعات في خدمة المجتمع هو من نتاج هذه الجمعيات.. وإذا كانت الجمعيات بإمكاناتها المتواضعة، وميزانياتها المحدودة وأعمالها التطوعية تقوم بكل ذلك.. وغير ذلك.. واكثر من ذلك..ألا تستحق هذه الجمعيات - فعلاً - تقدير الجامعات..؟ وتستحق الدعم والتعاطف من الجامعات..؟
هذه بعض القضايا.. بعض الهموم.. بعض التساؤلات.. وفي ظني أن هذا اللقاء رغم اهميته لجميع القائمين على هذه الجمعيات من مختلف مناطق وجامعات المملكة، الا أنه لم يقدم اجابات بقدر ما أثار تساؤلات، او جملة تساؤلات.. وجدير بالقائمين والمهتمين بشؤون الجمعيات ان يخوضوا تجربة البحث في الأسس والمفاهيم التي تنطلق منها نظريات المجتمع المدني. ويجب أن نعترف بوجود غياب واضح في التأسيس النظري الذي يغذي فكر ومفهوم ووعي المجتمع بأهمية ودور ووظائف مؤسسات المجتمع المدني. ونحتاج أن نقرأ ثم نقرأ الاتجاهات المختلفة التي فلسفت مكانة المجتمع المدني في التنظيم الاجتماعي.
وفي اعتقادي ان المجتمع السعودي بحاجة إلى وجود هذه المؤسسات ومزيد منها، لمجموعة أسباب، منها على سبيل المثال:
1- أن هذه المؤسسات مبنية على مبدأ الطوعية والفكر التطوعي، فليس إلزاماً على أحد الانضمام اليها، فهي اختيارية في التكوين، والعضوية، والنشاطات والأعمال.. وكذلك من القواعد التي تنطلق منها فكرة الجمعيات مبدأ العمل التطوعي، فهي تشجع الأعضاء على العمل التطوعي بشكل عام. وغني عن التعريف ما يستثمره المجتمع من تطوع أفراده بأعمال خيرية ونفعية ومناشط اجتماعية تعود بالفائدة على مؤسساتها وافراده.
2- مؤسسات المجتمع المدني مبنية على فكر منظم وجهود مؤسسية غير عشوائية، تقدم إلى المجتمع فكراً منظماً وأعمالاً متقنة وخدمات عالية الجودة.
3- تعمل مؤسسات المجتمع المدني على تماسك المجتمع وتلاحم شرائحه وفئاته، لأن الخدمات الكثيرة التي تقدمها للمجتمع تبني فيه روح المحبة والتآلف والأخوة.
4- العلاقة بين مؤسسات المجتمع المدني وبين الأجهزة الحكومية هي علاقة تكاملية، فما تقوم به هذه المؤسسات يعد تكملة لأدوار ووظائف تقوم بها الحكومات. وعموماً فإن هذه المؤسسات تسعى إلى تقديم برامج ونشاطات تصب في إطار التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والفكرية والسعي لحل المشكلات القائمة التي تواجه المجتمع والأفراد كما ان أهم ما تتميز به الجمعيات هو دورها في القيام بالمبادرات الذاتية الهادفة للارتقاء بالمجتمع
( * ) رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال/أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود
|