يتلفت المرء من حوله فيجد الأمم قد قطعت شوطاً كبيراً في مضمار المدنية والتقدم المادي بينما نرى الأمة الإسلامية في مؤخرة الركب.
وقد كثرت الكتابات حول الحضارة والتراث وكيف يمكن للعالم الإسلامي أن ينافس الأمم المتقدمة.
إذ ظن بعض المفكرين أن الحضارة هي بلوغ التقدم المادي وتحصيل النهضة الصناعية وأصبح يقيس المجتمعات تحضراً وتخلفاً بالنسبة لذلك الجانب فقط.
بينما الحقيقة، أن للجانب المعنوي والقيمي دوراً بارزاً في مفهوم الحضارة الصحيحة.
وقد ظهرت آراء متباينة حول التعامل مع الحضارة المعاصرة، فقسم من الباحثين يرى الانعزال عن الحضارة المعاصرة، حيث يعتبر أن كل ما جاء منها أو جاء عنها شر وفساد ينبغي الابتعاد عنه، وقسم ثانٍ على النقيض، يدعو إلى الاندفاع للحضارة المعاصرة بحيث نَعُبُّ منها دون نظر أو تمييز، بل ترك الاستفادة من حضارته وتراثه الأصيل.
والقسم الثالث دعا إلى التوفيق أو التلفيق بين الحضارتين، بحيث نصوغ من الحضارة الإسلامية ومن حضارة الغرب شيئاً جديداً يجمع بينهما.
بَيْدَ أنَّ المشكلة في ذلك التوفيق أو التلفيق ما قد يحدثه من تشويه للأصل.
يقول الشيخ علي عبد الحليم محمود إن الرأي الصحيح والفئة التي تبحث عنها الأمة هي تلك التي لا تلفق من حضارتها وحضارة أخرى، والتي لا ترقع حضارتها بأي رقع من حضارة مخالفة، مع الاستفادة من النافع المفيد الذي لا يعارض الأصول.
إن مشكلة المسلمين أنهم يريدون أن يؤسسوا مؤسسات حضارية شبيهة بأخواتها في الغرب وتقوم على نظم تنطلق من مبادئ وأخلاقيات غير متطابقة مع المبادئ والأخلاقيات.
ثم إن التحدي الذي يواجه المسلمين في مرحلة إقلاعنا الحضاري يكمن أساساً في ثباتنا على مبادئنا والتزامنا بقيمنا وتمسكنا بأصالتنا وأصولنا.
ولا شك أن ظاهرة الاحتكاك بالثقافات والأفكار الأجنبية هو أمر جدير بالدراسة والبحث لتستفيد الأمة من الحسنات وتتجنب المساوئ.
ذلك لأن عملية الغزو الثقافي المباشر وغير المباشر على المجتمعات غير المدركة تهدف إلى تغيير هوية المجتمع الإسلامي وربما تزويره، وإلى تشكيك المسلمين في القيم والمعايير الأخلاقية.
وهنا التحدي الذي لا يقل في أهميته وخطورته عما يصادم مجتمعنا ويهدم قيمنا لتُغرس قيم أخرى محلها، فنصل إلى الغربة ثم تهشيم الجدار النفسي بيننا وبين الثقافة الأجنبية ومن ثم الانزلاق في هاوية الضياع.
إن من المسلمات الثابتة، أن التراث ليس مظهراً جامداً في حياتنا اليومية بل هو مظهر إبداع حضاري يظهر قوة وتماسك العامل النفسي والأخلاقي ويبرز حراكها الحضاري وكيفية استخدامه لما يفيدنا دون تأثير على هويتنا.
وعليه، فينبغي ألا يقف تفكيرنا عن تتبع تاريخ مجتمعاتنا بدقة، فلابد أن نضع الأمور على محك وتفكير وقياس، خاصة ما يتعلق في القيم والعلوم والأخلاقيات والثقافات.
فالثقافة في عصرنا الراهن متعددة المصادر متنوعة الألوان إذ لم تعد المدرسة وحدها هي المصنع الذي يصنع فيه الرجال، وتصاغ فيه الأجيال.
فقد أصبح ينافسها في هذا الميدان كثير من القوى الجديدة التي ولدتها المدنية الحديثة، ينافسها في ذلك المطبعة بما تخرجه من كتب ومن صحف ومن نشرات، وتنافسها الإذاعة بما توجهه من كلمات وبرامج وندوات، وتنافسها القنوات الفضائية بما تبثه من أخبار وأحداث وتنافسها ألوان أخرى كالمحاضرات والندوات العامة والمؤتمرات والمنتديات.
وللحق نقول إن الثقافة هي ذاكرة الشعب وتفريغ أمة من ثقافتها، أي من ذاكرتها وأصالتها يعني الحكم عليها بالموت.
الواجب علينا إذن:
(1) تركيز العقيدة في نفوس شبابنا وتوضيح معالم الدين الإسلامي.
(2) توعية الشباب وتربيتهم على مبادئ الدين الإسلامي بوعي وتخطيط دقيق.
(3) انتقاء المعلمين والموجهين من الصفوة التي تتسم بالغيرة على العقيدة والدين.
(4) نشر مبادئ التربية والتعليم على مختلف التخصصات والأصعدة.
(5) الدعوة إلى التمسك بأصولنا وتراثنا وقيمنا ومبادئنا وأخلاقياتنا.
(6) مواجهة الأفكار الخبيثة والشهوات المهلكة والنزعات الفاسدة والثقافات الغربية حتى لا نضيع.
هذه بعض الدروع الواقية والقواعد للمحافظة على تراثنا وشبابنا ومبادئنا.
فلا عجب، فإن أصول العلوم التي يفتخر بها الغرب نبعت أصولها وأساسياتها من حضارتنا الإسلامية فقواعد علوم الطب والفلك والفيزياء وعلوم الاجتماع وغيرها ظهرت مع هذه الحضارة وعلى أ يدي علمائها عندما كان الغرب يأكل بعضه بعضاً.
ختاما أقول أيها المسلمون اهتموا بتراثكم واحفظوه في عقولكم وترجموه عملاً في حياتكم قبل أن يطير عن الكبار ويضيع من الصغار فتتضاعف طموحات الأعداء.
إن التراث ليس متحفاً و لكنه مع الأنفاس وخفقات القلوب، إنه حياة، إنه مجد، إنه غيرة وكرامة، فلا ينبغي أن ننسلخ عنه بأيدينا ونحقق لهم المراد بغبائنا وكسلنا وضعف همتنا.
|