Friday 5th March,200411481العددالجمعة 14 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

رجال الحسبة.. أعانكم الله!! رجال الحسبة.. أعانكم الله!!
منصور بن سعد السعيدان

ينتابك شعور من عدم الارتياح عند سماعك لبعض الأحاديث والتعليقات والآراء في بعض المجالس والتجمعات من انتقاد بغية (فرد للعضلات) بحثا عن الأخطاء والسقطات سواء أكانت موجودة أم مختلقة من أجل إبداء الرأي والكلام سواء كان لهم أو نقلا عن غيرهم (كعادتهم) للأسف يرددون ما يسمعون كالببغاء بل أجزم أن جلهم لا يعي أو يدرك ما يقول ولو قابلته بالحجة للجم وسكت.
وهذا ما سمعته وعايشته بنفسي في إحدى الجلسات مع أحد الشباب والذي أخذ ينصب نفسه قاضيا وجلادا ولم يجد إلا رجال الحسبة ليلقي سياطه عليهم ومثله للأسف كثير ممن سلطوا ألسنتهم واقلامهم لذلك ناسين أو متناسين أن هؤلاء الرجال هم من وهبوا أنفسهم ووقتهم في سبيل خدمتي وخدمتك وحماية أبنائي وأبنائك من الشياطين وشياطين الإنس الذين يتربصون بهم الدوائر سواء في الأسواق أو غيرها ودعما وحشدا للنفوس لطاعة الله بالتذكير والتنبيه والذين بعد توفيق الله بجهودهم يقل الفساد ويضمحل قال الله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
نعم المفلحون بوصف رب البرية لأنهم دعوا لله وباشروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مباشرة بأنفسهم.
يقول سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - في قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأهميتها: (إن موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موضوع عظيم جدير بالعناية لأن فيه تحقيق مصلحة الأمة ونجاتها، وفي إهماله الخطر العظيم والفساد الكبير واختفاء الفضائل وظهور الرذائل).
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (مثل القائم على حدود الله والمداهن فيها مثل قوم ركبوا سفينة فأصاب بعضهم أسفلها وأوعرها وشرها، واصاب بعضهم أعلاها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم فآذوهم، فقالوا: لو خرقنا في نصينا خرقا فاستقينا منه، ولم نؤذِ مَنْ فوقنا، فإن تركوهم وأمرهم هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعاً).
إليكم يا مَنْ تسلِّطون ألسنتكم وأقلامكم على رجال الحسبة الذين يبغون إشاعة الخير ووأد الفساد وأهله مبتغين بذلك وجه الله سبحانه وتعالى إليكم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}.
إن أذية المؤمنين والناس أجمعين بغير حق من أشد المظالم، وأعظم المآثم التي توعد الله أهلها بالوعيد الأكيد وتهددهم بالعذاب الشديد وقوله - سبحانه - في الحديث القدسي الصحيح: (من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب) أي أعلمته أني محارب له.
فالذي يؤذي المؤمنين خاصة والناس عامة ومن باب أولى (رجال الحسبة) بغير حق على خطر من غضب الله وانتقامه، وما توعد به الظالمين في الدنيا ويوم القيامة، حتى ولو كان المؤذي من أفاضل الناس وخيارهم؛ فقد ثبت في صحيح مسلم أن أبا سفيان مر - في حال كفره - على سلمان وصهيب وبلال في نفر فقالوا: ما أخذت سيوف الله من عدو الله مأخذها. فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟ فأتى النبي فأخبره، فقال: ( يا أبا بكر، لعلك أغضبتهم، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك). فأتاهم أبو بكر فقال: يا إخوتاه! أغضبتكم؟ قالوا: لا. يغفر الله لك يا أخي. وثبت في الصحيحين أن النبي قال لمعاذ وقد بعثه إلى اليمن: (واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب).
فلنعلم أن إيذاء المؤمنين وغيرهم من الناس بغير حق له صور منصوص عليها من القرآن وما أثر عن النبي من بيان، ويعظم الإيذاء ويتضاعف الإثم وتشتد العقوبة، كلما عظمت حرمة الشخص، أو الزمان، أو المكان، أو المناسبة.
يقول الإمام ابن القيم: (ومن العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام، والظلم والزنا والسرقة وشرب الخمر ومن النظر المحرم، وغير ذلك، ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه، حتى يرى الرجل يشار إليه بالدين والزهد والعبادة، وهو يتلكم بالكلمات من سخط الله لا يلقي لها بالاً ينزل بالكلمة الواحدة منها أبعد ما بين المشرق والمغرب، وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم ولسانه يُغري في أعراض الأحياء والأموات لا يبالي ما يقول).
وقال عبدالله بن المبارك - رحمه الله - (المؤمن يطلب المعاذير والمنافق يطلب الزلات).
لذا وجب علينا أن نكون محسنين الظن باخواننا رجال الحسبة الذين لم يظهر لنا من أعمالهم إلا الإصلاح وأن نكون سليمين الصدر لهم، وأن نطلب لهم المعاذير، وأن نحمل ما يقومون به على المحمل الحسن ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، ولنعلم أن ذلك هدي خير القرون من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين امتثلوا الأمر وتجنبوا النهي حتى كأنهم مصاحف تمشي على الأرض.
ولا نكون ممن همهم وسعيهم تتبع العثرات، فإن سمعوا خيرا لم يظهروه. وإن سمعوا عثرة أو زلة طاروا بها كشيطان العقبة وحملوها مالا تحتمل من اللوازم.
ناهيك عما يقع فيه هؤلاء من إثم الغيبة والحسد والظن السيء قال صلى الله عليه وسلم (إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا). وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}.
فكفوا ألسنتكم وأقلامكم واعلموا أنكم بذلك لا تحاربونهم إنما تحاربون الله فاتقوا الله في أنفسكم واعلموا أن الله سبحانه يمهل ولا يهمل.


إذا رمت أن تحيا سليما من الردى
ودينك موفور وعرضك صين
فلا ينطقن منك اللسان بسوءة
فكلك سوءات وللناس ألسن
وعيناك إن أبدت إليك معايبا
فدعها وقل يا عين للناس أعين
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى
ودافع ولكن بالتي هي أحسن

وليعلم الحاقدون والمنافقون والذين يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا أن الأمة كلها أدركت وعلمت أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم ومسلمة وهو خيارها الذي اختاره الله لها، واعلموا أن هذه الدعوة المباركة التي شرقتم بها قد شبت عن الطوق وعمت السهل والوعر والبر والبحر بل عمت أرجاء الدنيا كلها ولن تتراجع بإذن الله لأنها عرفت طريق الخلاص وجربت كل المناهج فلا نجاة ولا عز لها إلا بمنهج ربها {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} .
فاصلة


لما عفوت ولم أحقد على أحد
أرحت نفسي من هم العداوات
وأظهر البشر للإنسان أبغضه
كما أن قد حشا قلبي محبات
الناس داء ودواء الناس قربهم
وفي اعتزالهم قطع المودات


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved