Friday 5th March,200411481العددالجمعة 14 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الداعية عالي الهمّة يحمل هم الأمة الداعية عالي الهمّة يحمل هم الأمة
د. سند بن لافي الشاماني ( * )

فإن الداعية عالي الهمة، ومن أعظم همومه هداية الأمة، وبلوغ الغاية في النصح لها، كيف وقدوته في هذا النهج القويم رسل الله عليهم السلام من لدن آدم ونوح عليهما السلام وحتى خاتمهم وسيدهم محمد صلى الله عليه وسلم، وكذا أتباعهم كمؤمن آل فرعون الذي قال لقومه {يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} وكحبيب النجار الذي حمل هم دعوة قومه في الحياة، وأبلغ في النصح لهم بعد الاستشهاد: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ . بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ}.
أخي الداعية المؤمن إذا تأملت قوائم عظماء رجالات الإسلام في الرعيل الأول فمن بعدهم رأيت أن (علو الهمة) هو القاسم المشترك بين كل هؤلاء الذين اعتزوا بالإسلام، واعتز بهم الإسلام، ووقفوا حياتهم لحراسة الملة وخدمة الأمة، سواء كانوا علماء أو دعاة أو مجددين أو مجاهدين أو مربين أو عباداً صالحين، ولو لم يتحلوا بعلو الهمة لما كان له موضع في قوائم العظماء، ولما تربعوا في قلوب أبناء ملتهم، ولا تزينت بذكرهم صحائف التاريخ، ولا جعل الله لهم لسان صدق في الآخرين.
وأسوتهم في حمل هم الأمة -بل في كل باب من أبواب الخير- هو الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، الذي شارك المسلمين آلامهم، وكان في حاجتهم حتى حطمه الناس صلى الله عليه وسلم، فعن عبد الله بن شقيق قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: (أكان نبي الله صلى الله عليه وسلم يصلي جالساً؟) قال: (بعد ما حطمه الناس).
ومن أمثلة حمل هم الأمة قول حذيفة رضي الله تعالى عنه: (كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني) الحديث، فإن سياق الحديث يشيد بحرص حذيفة على تعميم الانتفاع بالإرشاد النبوي في زمن الفتنة إلى جميع المسلمين من بعده.
وتأمل - يا رعاك الله - استنكاره صلى الله عليه وسلم دعاء الأعرابي: (اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً) وقوله له: (لقد حجرت واسعاً)، وكذا قوله صلى الله عليه وسلم: (من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة). وقوله صلى الله عليه وسلم في وصف أهل الجنة: (ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم).


فلا هطلت عليّ ولا بأرضي
سحائب ليس تنتظم البلادا

والداعية إلى الله كبير الهمة يقدر تبعات هذا المقام الرفيع، فهو يظمأ حيث يروي الناس، ويسهر حيث ينامون، ويجوع حيث يشبعون، ويتعب حيث يستريحون، ويقدم حيث يحجمون. وإليك أخي هذه النماذج المضيئة:
عن علي رضي الله عنه قال: (كنا إذا احمر البأس، ولقي القوم القوم، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون منا أحد أدنى من القوم منه).
وعن البراء رضي الله عنه قال: ( كنا والله إذا احمر البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذي به صلى الله عليه وسلم).
وعن أنس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق الناس قبل الصوت، فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم قد سبق الناس إلى الصوت، وهو يقول: لم تراعوا؛ لم تراعوا، وهو على فرس لأبي طلحة عُري ما عليه سرج، في عنقه سيف؛ فقال: لقد وجدته بحراً، أو: إنه لبحر).
وقال صلى الله عليه وسلم: (ولأن يمشي أحدكم مع أخيه في قضاء حاجته- وأشار بأصبعه- أفضل من أن يعتكف في مسجدي- أي مسجد المدينة- هذا شهرين). وقال صلى الله عليه وسلم: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة). وعن عبد الكريم أبي أمية قال: (لأن أرد رجلاً عن رأي سيئ أحب إليّ من اعتكاف شهر).
وتصف فاطمة بنت عبد الملك زوجها أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز فتقول: (كان قد فرغ للمسلمين نفسه، ولأمورهم ذهنه، فكان إذا أمسى مساء لم يفرغ فيه من حوائج يومه؛ وصل يومه بليلته).
وقال أبو عثمان شيخ البخاري رحمه الله: (ما سألني أحد حاجة إلا قمت له بنفسي، فإن تم؛ وإلا قمت له بمالي، فإن تم؛ وإلا استعنا له بالإخوان، فإن تم؛ وإلا استعنت بالسلطان).
وكان (الليث بن سعد) رحمه الله: (يجلس للمسائل، يغشاه الناس فيسألونه، ويجلس لحوائج الناس؛ لا يسأله أحد من الناس فيرده، كبرت حاجته أو صغرت).
إنها -حقاً- نماذج مضيئة محل الاقتداء، تلهب الحماس، وتشد الهمم، وفق الله دعاة الخير لكل خير، ودفع عنهم كل ضير، وجعل الله هذا العام الجديد عام عز ونصر للإسلام والمسلمين، وحفظ الله لهذه البلاد المباركة أمنها واستقرارها، وأعزها بالإسلام، وأعز الإسلام بها، تحت قيادتها الحكيمة، ودفع عنها كيد الكائدين، وحقد الحاقدين، وحسد الحاسدين، وعبث العابثين.. آمين.. ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع سبيله.
( * ) مدير عام الحقوق بإمارة منطقة المدينة المنورة.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved