* الجزيرة - خاص:
أكد أ.د محمد سالم بن شديد العوفي الأمين العام لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة على أهمية توفير جميع الوسائل الدعوية اللازمة لتسهيل مهمة الداعية ومضاعفة قدرته على أداء رسالته، مشيداً بجهود وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في هذا الاتجاه من خلال المعرض السنوي لوسائل الدعوة (كن داعياً), الذي نجح إلى حد بعيد في توفير الكثير من الوسائل الدعوية المعنوية والمادية التي لا غنى عنها للداعية في هذا العصر.
وأضاف الدكتور العوفي في حديثه ل(الجزيرة) بمناسبة إقامة المعرض الخامس في المدينة المنورة في المدة من 18-28-1-1425ه إلى أهمية الاستفادة من تقنيات العصر وتأهيل الدعاة على استخدامها، لما تمتلكه هذه التقنيات من إمكانات على مخاطبة أعداد هائلة من المسلمين وغير المسلمين شريطة الحذر مما قد تحمله هذه الوسائل والتقنيات من مناهج تخالف المنهج الإسلامي في الدعوة وفيما يلي نص الحوار:
****
* بداية نسأل عن الصفات التي ينبغي للداعية المعاصر أن يتحلى بها لأداء رسالته في ظل كثرة المتغيرات والأطروحات التي يشهدها العالم الإسلامي والساحة الدولية؟
- يأتي في مقدمة ما ينبغي للداعية أن يحرص عليه، كسب المزيد من الفقه في دين الله، لأنه بذلك الفقه يضع الأمور التي يواجهها في موضعها الشرعي الصحيح، وفق توجيهات الكتاب والسنة، فإذا كنا ننشد في الداعية حماسته ودأبه في متابعة طريق الدعوة، وهو طريق الرسل من قبله، فإننا نود أن يرافق هذا حرص على التزود بالعلم الشرعي، ووزن كل ما يواجهه بالميزان العلمي، المؤسس على الكتاب والسنة، وبذلك يكون كسب العلم الشرعي عاصماً له من الزلل والوقوع في أسر الميل العاطفي الجامح، الذي قد يبعد الداعية من الضوابط الشرعية، فلا يكون تصرفه مرهوناً بالنصوص الشرعية، واجتهادات العلماء الثقات، وأن يعد الداعية نفسه جندياً من جند الله نذر نفسه ووقته وماله للدعوة؟ ولكن هل تكفي هذه النية الصالحة ليمضي في الأرض وفق ما يمليه عليه ميله؟
إن أي خلل في التطبيق، وإغفال الفهم الصحيح للقواعد الشرعية سوف ينحو بالدعوة منحى الهوى، ويبعدها عن المسار الصحيح الذي مضى عليه السلف رضوان الله عليهم، وفي الحديث الصحيح:( من يرد الله به خيراً يفقه في الدين)، قال الإمام ابن حجر:( ومفهوم الحديث أن من لم يتفقه في الدين، أي يتعلم من قواعد الإسلام، وما يتصل بها من الفروع، فقد حرم من الخير).
ومن الصفات الحميدة التي ننشدها في الداعية المعاصر: الحكمة، والحكيم كما يقول الحافظ ابن كثير:«هو الحكيم في أفعاله وأقواله، فيضع الأشياء في محالها»، ومن هنا يأتي أمر الله عز وجل لرسوله: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}، وهذا التوجيه الرباني السديد يستدعي من الداعية اختيار المنهج المناسب لما يواجهه من أحوال من يدعوهم، ومن هنا جاءت ترجمة أحد أبواب كتاب العلم عند الإمام البخاري في صحيحه:( باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه، فيقعوا في أشد منه).
والأمر الثالث الذي أراه أكيداً في الداعية، هو الحرص على القدوة الحسنة، فمن فطرة الناس التي فطرهم الله عليها أن يتأثروا بالقدوة والنموذج العملي لها، أكثر من تأثرهم بالقول والسماع، ومن هنا كان تأثر المسلمين عبر التاريخ بهؤلاء الأعلام من السلف الصالح الذين جددوا للأمة دينها {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ } فأي أثر يطمع الداعية فيه من دعوته، إذا كان واقعه يخالف مقاله؟ ولقد تحدث الناس عن علم الشيخ الرباني عبد العزيز بن باز رحمه الله، بيد أنهم أفاضوا أكثر عن تطبيقه العملي في نفسه، وفي حياته، لمناهج الدعوة إلى الله ووسائلها، ومن هنا كان فضله على الدعاة كبيراً، إذ تعلموا منه عملياً كيف يرتقون بالدعوة إلى الأمام؟
* كيف ترون أهمية المعرض الخامس لوسائل الدعوة إلى الله في مضاعفة قدرات الدعاة على أداء رسالتهم؟
- الدعاة إلى الله أولى فئات الناس بالحرص على استثمار الوسائل المتاحة التي تعزز طريقهم، وتدعم مسيرتهم الدعوية، وتعرف الآخرين بهم، ومن المعروف أن علم الدعوة يقسم الوسائل الدعوية إلى قسمين هما:
الوسائل المعنوية، وهي ما يعين الداعية على دعوته، من أمور تتصل بالصفات الحميدة والأخلاق الكريمة، والوسائل المادية، وهي الأدوات المحسوسة والملموسة، التي يستعين بها الداعية لبيان مضمون دعوته.
وهذه الوزارة المباركة التي أنيط بها مهام الشؤون الإسلامية في بلادنا الغالية، حريصة كل الحرص على أن يكون الداعية مستفيداً من الإمكانات المعاصرة التي أُتيحت له، ليتسع أفقه، وتعزز قدراته، فاتجهت إلى فكرة إقامة هذه المعارض، لما رأت فيها من الجدوى والفائدة العملية، وقد قرر أهل العلم أن أية وسيلة لم ترد النصوص الشرعية بالنهي عنها، وترجحت المصلحة استخدامها في أمر ينفع الدعوة، إنما يسع الداعية الإفادة منها، وهذا المعرض بين يدي الدعاة، يتعلمون منه، وينتقون من الوسائل المعروضة فيه ما يرونه مناسباً لهم، ويقيناً سيستفيد هذا المعرض من المعارض التي سبقته في هذا الحقل، فيكون مكملاً ومطوراً للرسالة التي شرع من أجلها، والتأمل في هذه الوسائل، والسعي في تطويرها وتنميتها مسؤولية منوطة بالدعاة الحريصين على نشر الدعوة، وتعزيز مسيرتها.
* انتشرت في عصرنا وسائل اتصال حديثة متعددة، وقد استثمرها الآخرون على نحو سيئ للتأثير في أبناء المسلمين، كيف يمكن مواجهة هذه الوسائل والتعامل معها من وجهة نظركم؟
- العالم اليوم أصبح - كما يقولون - قرية كبيرة ولم يعد الفرد الذي يعيش فيه قادراً على أن يعزل نفسه عن المؤثرات الخارجية التي تزخر بها وسائل الاتصال المتعددة، خاصة أن هذه الوسائل تمتلك من القدرات والإمكانات الواسعة ما يمكن الإفادة منها لتطوير مسار الدعوة إلى الله، ودفعها نحو الترقي والازدهار، فقد قربت هذه الوسائل البعيد، وأتاحت للعاملين في حقل الدعوة خطاباً قوياً مؤثراً إن تم إعداده على نحو جيد.
لكن مع الحذر من أن هذه الوسائل يمكن أن تتضمن مناهج مخالفة للمنهج الإسلامي فتدعو إلى منكر، بما يحويه هذا المصطلح من اتباع الهوى، والانفلات، والفوضى، وهنا لابد من مواجهة هذا المنكر بالتحصين المنشود للفرد والجماعة، للوقوف أمام ما قد يذاع وينشر ويروج من هذه المخالفات ولتحقيق هذا الهدف يجب على الداعية أن يستوعب تقنية الوسائل الحديثة، ليستثمرها ويسخرها في سبيل الدعوة، كذلك أن يكون واعياً بما يجري حوله من متغيرات، وما يدبره أعداء الإسلام في الخفاء لتشويه دعوته، وإظهارها بمظهر المتخلف المتطرف، ويلزم الداعية في ذلك أن يكون متفهماً لأهدافها، ليقف أمامها بلغة الحوار العلمي الذي يستوعب أبعاد الصراع بين الحق والباطل، وفق سنن الله في الكون.
* ماهي الفئات العمرية التي يجب أن تحظى بالأولوية في عمل الداعية؟
- لعل التوازن في عمل الداعية من العوامل التي يحسن بالداعية أن يحرص عليها، ويسعى إليها وفق منهج مدروس، وذلك لأن المجتمعات البشرية عادة تتألف من الذكر والأنثى، وكل من الجنسين من هو طفل وشاب وكهل، والداعية الموفق هو الذي يتوجه الى كل فئة من هذه الفئات بما يناسب فطرتها، وسنها، وتكوينها، وقد هيأت النصوص الشرعية وسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - قدراً واسعاً من التوجيهات السديدة لسلوكها ومعاشها.
وينبغي للداعية أن يستظهر هذه النصوص، ويتأمل في سيرة سيد الدعاة محمد - صلى الله عليه وسلم - ليرى كيف كان يتعامل مع كل فئة من هذه الفئات العمرية، وكيف كان يحسب حساباً لخصائصها وسماتها؟ فالحديث مع الطفل يختلف عن الحديث مع الشاب، وما يناسب طالبة الجامعة يختلف عما يناسب المرأة المتقدمة في السن، ومن غير المناسب أن نترك أي فئة من هذه الفئات نهباً للهوى، ومرتعاً للوسائل الإعلامية الغازية تحركها كيف تشاء بما تملكه من وسائل مؤثرة، وأهداف بعيدة، وقدرات تقنية عالية، ومثل هذا المبدأ يحتاج من الدعاة أن يعدوا العدة له بما يستطيعون إليه سبيلاً، وذلك لأن إهمال مبدأ التوازن سوف يبرز حلقة مفقودة من قبلهم، ولكنها سوف تقع تحت شباك الآخرين، فيمضون في توجيهها وفق أساليب وخطط مدروسة، فتكون بذلك قد قصرنا أيما تقصير في معالجة بعض فئات المجتمع المسلم.
* ماذا عن مشاركة المجمع في المعرض الخامس لوسائل الدعوة الذي يعقد في المدينة المنورة؟
- تتنوع مشاركة المجمع في المعرض ما بين عرض لمعظم الإصدارات،وعرض لواصق عن مراكزه ولجانه العلمية بالإضافة الى معلومات عامة عن المجمع تشمل الافتتاح، أقسام المجمع، مراكزه العلمية، عدد العاملين به، التجهيزات الآلية، مجمل الإنتاج، مجمل التوزيع، صور للمباني، وبعض المخطوطات، الدورات التجويدية، الندوات العلمية، مجسم مصغر للمجمع، فلم وثائقي، نماذج قراءة في مسجل، كذلك التعريف بمراحل العمل ضمن تمثيل لأقسام المجمع في المعرض مثل: قسم التحضير، وما يرافقه من مراقبات فنية وعلمية وآلية كذلك أقسام الطباعة، والتجليد، والأستديو، وقسم النسخ الصوتي والتعبئة، وما يرافقه من مراقبات على الأشرطة والأقراص الصوتية، وقسم المراقبة النهائية، كما نشارك بعرض فلم وثائقي بالعربية والإنجليزية عن المجمع، وبرنامج بوربوينت، وموقع المجمع على الإنترنت.
|