Friday 5th March,200411481العددالجمعة 14 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

تعقيب على القمة العربية للإصلاح قبل انعقادها تعقيب على القمة العربية للإصلاح قبل انعقادها
د. فوزية عبدالله أبو خالد

يتخذ هاجس الإصلاح الوطني لدى المواطنين والعرب هذه الأيام عدة أشكال وأكثر من أسلوب للتفكير والعمل، فمن (عرائض) المطالبة بالإصلاح الى تأسيس الجمعيات والكيانات المدنية لشرعنة مفهوم المشاركة وتعلمه، ويكاد الاصلاح ان يكون هاجسا يشغل المواطنين العرب في كل مكان، كل على قدر تجربته السياسية، ومنهم أولئك العرب الذين يعيشون في الخارج في منافي مختارة او اجبارية، دائمة او مؤقتة، ويستطيع المتابع ان يلمس ذلك في تلك المبادرات الفردية او الجمعية للكم الكبير من المشاركات الهاتفية والالكترونية على مدى المساحات الفضائية والعنكبوتية الآخذة في الاتساع على نطاقات شاسعة في كل ما يلوح انه قضية اصلاح وطني او يتعلق بها، كما يمكن ان يلمس ذلك في المشاركات الحوارية والمداخلات واوراق العمل او مجرد الحضور لكل ما اصبح يعقد من ندوات ومؤتمرات ولقاءات على المستوى الحكومي والاهلي، بل والدولي مما لم يكن معهوداً او متاحاً بمثل هذا الزخم، سواء في المؤسسات الرسمية او غير الرسمية، وان كان يبدو واضحا او شبه واضح، كما تشير بعض المؤشرات، ان قلق هاجس الاصلاح لا يقتصر هذه الايام على المواطنين العرب وحدهم في مواقعهم الفردية او الجمعية بالمجتمع العربي، ولكنه يمتد ليقلق الحكومات ان لم يكن يقض مضجعها على الاقل مما يستنتج من اجندة القمة العربية القريبة التي جعلت عنوانها العريض قضية الاصلاح، فإن من غير الواضح هو الدرجة التي تجري فيها المجاوزة والتقريب بين الهاجسين الحكومي والاهلي في الوصول الى تصور مشترك ومتعدد الابعاد والرؤى في نفس الوقت في النظر لمسألة الاصلاح، ان من غير المجدي ان نخفي على انفسنا او الا نصارحها حكومات ومجتمعا باننا تلكأنا وتباطأنا وأجلنا إلحاح وضرورات الاصلاح مدة طويلة جداً، فكانت أفكار الاصلاح او حتى مجرد أشواقه لا تقال من قبل المثقفين والمواطنين عامة إلا بغموض وضبابية، او همسا في السر وبعيدا عن من بيده اتخاذ القرار لاصلاح الامر، كما لا بد ان نصارح انفسنا بما هو أكثر إحراجاًً، وذلك اننا انتظرنا وكنا سنرفل في انتظارنا الى اجل غير مسمى الا من اصوات قليلة هنا وهناك قبل ان نعترف علنا بضرورة الاصلاح، وهذا ما يطرح الآن وفي هذه المرحلة المحملة برياح الاحتمالات التي قد تجر السفن الى شواطئ غير آمنة نحو تغيير لا قبل لنا كعرب بتوجهاته التي قد لا تكون من جنس انتمائنا وهويتنا الحضارية وحاجاتنا وأحلامنا في التطوير، ضرورة ان يكون تصور الاصلاح ومشاريعه واجندته نابعة من الارضية التي نعرف شعابها ونهادها، وبمشاركتنا الفردية والجمعية بكل اطيافها مع اصحاب القرار العربي، وإلا فاننا سنقبل، طوعاً او كرهاً، تصورات اصلاحية قد تفرض علينا اذا لم نسارع لسد الفراغ الإصلاحي، مع ملاحظة هامة جداً وهي انه لا الصخب الاعلامي وحده ولا التصريحات الرسمية وحدها، ولا طيب النوايا في تكثيف الحديث عن الاصلاح، والتلويح به وعقد اللقاءات والاجتماعات تكفي لسد الفراغ ما لم تتخذ خطوات عملية، والإشكال الخطير في كل ذلك ان الامر هذه المرة (هاجس الاصلاح) لم يعد كما كان سجالا (عائليا) إذا صح التعبير بين الراعي والرعية، بل ان له بُعد يتشابك تشابكا مركبا مع الوضع العالمي المعقد.
ان الحكومات العربية لم تنعم في عمرها وطوال مراحل حكمها بمثل ما تنعم به في هذه اللحظة التاريخية الحارقة من التفاف سياسي حولها من مختلف الاطراف المجتمعة والاطياف السياسية وبالذات حول اطروحة الاصلاح، كما ان هذه الحكومات لم تنعم على مواطنيها من قبل بمثل هذا المناخ غير الخانق في التسامح والتداول والاستماع واستقبال طروحات الاصلاح من قبلهم، وهي تفعل ذلك في ظل ظرف عصيب لم تنعم قبله بمثل هذه العدوات العلنية غير المعتادة من قبل قوى السيطرة الخارجية وبحملات التشكيك والتخويف والترغيب الملغم، ومواجهة هذه (الحالة الجديدة) من التحولات في العلاقة مع الذات بقواها الاجتماعية المتعددة وبتكويناتها الرسمية والمدنية على حد سواء، وفي العلاقة مع الآخر بقواه وتقلبات تحالفاته حسب اتجاه بوصلة مصالحه في المنطقة لا يكون ولا يجب ان تكون بالمهادنة والتسليم وشراء السلامة بالاستسلام لقوى الخارج كما في المثال الليبي الاخير.
كما لا يجب ان تكون بسياسات التسكين الداخلي عن طريق التلويح باصلاح لا تلوح على أرض الواقع خطوات عملية للعمل به او على الاقل بدء العمل به، بل ينبغي ان يكون ذلك بتبني سياسات تمكين واسعة للمواطنين العرب نساء ورجالا واستقطاب فئات الشباب منهم تحديداً للتفكير بصوت مسموع وللمشاركة في صياغة تصور الاصلاح وتصور مخارج عملية لتطبيقه وتعميمه بدل ما يجري من قصر اطروحة الاصلاح على التداول الشفهي او المكتوب في خطابه الرسمي او النخبوي بعيداً عن اي اجراءات عملية، مع عدم قصر هذا التداول على نفر من النخب الاجتماعية او السياسية.
وهذا التحليل المبسط الاخير لحالة التحولات في علاقتها بمطلب الاصلاح في مستواه الرسمي والعام لا يعني ولا نرضى ان يستنتج منه التشكيك في الاصوات التي تجتهد لمشاركة الحكومات العربية في صياغة تصور الاصلاح ايا كانت مشاربها السياسية والفكرية او مواقعها الاجتماعية طالما انها تلتزم الاساليب السليمة في الطرح والمشاركة، ولكنه يعني بدقة وموضوعية توسيع دائرة الشراكة لتكون أعم وأوسع بما لا يهمش اي فئة من فئات المجتمع او يستثني اي مؤسسة من مؤسساته الاهلية، وللامانة كما هو ملاحظ اليوم لم تحظ قمة عربية سابقة بما تحظى به قمة هذا الشهر لهذا العام التي تجعل الإصلاح في بعده العربي موضوعها من اهتمام تحضيري واسع ليس على مستوى وزراء الخارجية كما جرت العادة بل على مستوى المؤسسات والهيئات المدنية والمواطنين العرب التي اجتهدت وحاولت ان تقدم المقترحات والتصورات والتوصيات الاصلاحية في المجالات المختلفة من الاصلاح السياسي الى الاصلاح التعليمي في محاولة للخروج على عصاب اليأس العربي العام والمزمن المبني على تاريخ طويل من خيبات اللا جدوى من انعقاد القمم العربية، وذلك بأمل توسيع المشاركة في الاصلاح واخراجه من حيز الاحلام او الكلام الى حيز العمل، وهذا على اعتبار ان القمة العربية ليست شأناً قيادياً متعالياً عن القاعدة المدنية للمجتمع، وباعتبار ان الاصلاح لا يمكن ان يكون بدون قرارات سياسية حاسمة وغير متذبذبة او مترددة تبنى على شراكة الرأي والعمل بين الحكومات وبين المجتمع.
فهل تنجح القمة العربية في مواجهة تحدي الاصلاح العربي؟ وهل تنجح الحكومات العربية في الشروع عملياً في وضع الاصلاح بالمشاركة المجتمعية موضع التنفيذ؟
هذا ما ندعمهم فيه، وهذا ما ندعو الله ان يقضيهم له لتكون لنا اوطان لا يفرض عليها اصلاح يمحو لحمتها الوطنية او هويتها الحضارية، لا سمح الله، ولله الأمر من قبل ومن بعد.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved