في القرن الحادي والعشرين قبل الميلاد وحتى القرن السادس عشر قبل الميلاد أخذ حكم الأسر يظهر في الصين بدءاً من أسرة (شيا) التي استمر حكمها 500 عام، وكان المجتمع مكوناً من ثلاث طبقات: ملاك العبيد، والعبيد، وأبناء العشائر. وقد ظهرت بعض الكتابات الأولية التي عثر عليها بقرب قبور العبيد، والتي تعتبر أداة من أدوات التعبير، وانطوت صفحة هذه الأسرة لتحل محلها أسرة أخرى يقال لها (تشو) تقطن غرب الصين واستمر حكمها 400 عام، وفي هذا العهد بدأت الفلسفة والشعر والتاريخ، كما تدفقت قرائح الشعراء عن قصائد رائعة حواها كتاب يعتبر الأقدم في الصين بعنوان (كتاب الأغاني) وأصبح الشعر منبراً هاماً من منابر الإعلام الثقافية والسياسية.
ولظروف معينة انتقل حكم أسرة (تشو) من الغرب إلى الشرق، واستمر حكمها متأرجحاً هناك نحو 300 عام، تلتها فترة الممالك المتحاربة التي استمرت نحو 250 عاماً وكانت الحروب والنزاعات هي السائدة في تلك الفترة، ولم تهنأ البلاد باستقرار يذكر، ونجم عن هذا الوضع بروز أكثر من إمارة ومملكة تحارب بعضها بعضاً وصل عددها إلى نحو 140 مملكة، اقتصر عددها على 7 ممالك في الفترة المتأخرة، وخلال هاتين الفترتين لبس المجتمع الصيني شكلاً آخر من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، وظهرت مدارس فكرية رائعة، ومتباينة ومتصارعة، كانت أساساً للثقافة الصينية حتى يومنا هذا.
فقد طرح (كنفوشس) أفكاره الرائعة كما ظهرت المدرسة الموهية والشرائعية والطاوية، وكثير من الشعب الصيني اليوم يستلهم سلوكه العام من هذه الفلسفات الإنسانية، ولاسيما الكنفوشسية بقدر واسع، والطاوية بقدر أقل، إضافة إلى البوذية التي وفدت إلى الصين فيما بعد، وحفل الشعر بمكانة رائعة، ولاسيما الملاحم الشعرية التي تمجد أبطال الحروب.
لقد كانت هذه الفلسفات وما صاحبها من نثر وشعر، وسائل إعلامية هامة ومؤثرة في تلك الحقبة من تاريخ الصين وذات تأثير بالغ في بلورة الوضع السياسي والاجتماعي والثقافي للشعب الصيني حتى يومنا هذا.
بعد عصر الممالك المتحاربة استطاع أحد قادتها أن يقضي على منافسيه ويوحد الصين تحت لوائه في مملكة واحدة ذات سلطة مركزية قوية اسمها (تشن) عام 238 قبل الميلاد، وقد جند قوة بشرية هائلة زادت عن سبعمائة ألف فرد لبناء سور الصين العظيم والقصر الإمبراطوري والقصور الأخرى، والمقابر الضخمة الملبنة بتماثيل الجنود، ولقد رأى في التعاليم الكنفوشسية، والانفتاح الإعلامي والثقافي حائلاً دون مراميه فأمر بحرق الكتب، ومنع الفلسفة، وحث الناس على الانشغال بالعمل والإنتاج والزراعة.
أثناء هذه الحقب التاريخية كانت الصين منغلقة إعلامياً وسياسياً ولم يكن لها اتصال بالعالم الخارجي ساعدها في ذلك موقعها الجغرافي وسور الصين العظيم.
ولم يدم عهد هذه الاسرة سوى خمس سنوات، تلته أسرة (هان) التي جعلت العلاقة بين الشعب والدولة مستمدة من التعاليم الكنفوشسية، وقد انفتحت هذه الأسرة على العالم الخارجي وتم فتح طريق الحرير البري الذي عمل على تسهيل التبادل التجاري بين الصين وسائر العالم، مروراً بآسيا الوسطى، ثم ايران والعالم العربي، ومن ثم أوروبا، وكذلك طريق الحرير البحري، ومن خلاله انتقل الإسلام إلى الصين وتنوعت الثقافات ووسائل التعبير، حيث بدأت صناعة الورق البدائية باستخدام لحاء الشجر في الظهور.
|