Friday 5th March,200411481العددالجمعة 14 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

بين الصهيونية واليهودية 2/2 بين الصهيونية واليهودية 2/2
د. محمد بن سعد الشويعر

أما الصهيونية: فهي فكر بشريّ تعصبي، تدعو إلى العداوة مع المسلمين خاصة، ومع القومية اليهودية وشعوب الأرض بصفة عامة، والفرق واضح، لأن ما جاء عن البشر فسمته القصور والانحصار في مكان ضيّق. وتعتمد الصهيونية على الكذب والمخادعة، والعنصرية المحدودة، التي جعلت أوروبا كلها تعاديها بعد خروج البروتوكولات.
فهي متأخرة التأسيس، وانقسمت إلى فرق عديدة، ولم يكن لها ذكر في المعاجم والموسوعات القديمة، ولعلّ هذا - والله أعلم - يدل على أنها بهذا المسمى، تعتبر من الفرق التي أخبر عنها صلى الله عليه وسلم بقوله الكريم: (افترق اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قيل من هي يا رسول الله؟ قال من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي) متفق عليه.
أما عداوتها للإسلام فواضحة، وأما مع القومية اليهودية ، فيبين أولا: من يهود أوروبا الشرقية، لما تزايد عدوهم، ووضعهم المعيشي يميل إلى الفقر - كما تذكر الدراسات عنهم - واندفعوا بالملايين إلى الهجرة لأوروبا الغربية، التي تمتاز بالثروة وفرص العمل، وكان بغرب أوروبا يهود أغنياء مندمجون مع سكانها، فرأوا أن هذه الهجرة خطر يهدد مكانتهم الاجتماعية، ومصالحهم العامة.. فحصرت الصهيونية اهتمامها بتوطين يهود شرق أوروباً، من باب التخلص منهم، والعاطفة عليهم، وحتى لا يكونوا سبباً في التأثير عليهم.. وهذا مصداق لأمر الله.. بأن بأسهم بينهم شديد، فعملوا أساليب من أجلهم: مالياً وعاطفياً، واندمجوا بنفوذهم مع الساسة للبحث لهم عن مكان استيطان، كما سوف نبين ذلك باختصار، مستمدين ذلك من: أديب قعوار المتخصص في الشؤون الفلسطينية والصهيونية، وهو متخرج في الجامعة الأمريكية بلبنان عام 1954م، ضمن بحث نشر في مجلة تاريخ العرب والعالم بعنوان: تاريخ مشاريع الاستعمار الصهيوني في الوطن العربي والعالم، وهو بحث مطول ومفيد.. جعل فيه الصهيونية نوعية توظيفية وعقدية. ذلك أنه أوضح أنّ الصهيونية - التوظيفية، معادية للقومية اليهودية، لأن هناك صهيونية ليست يهودية، ولذا كانت مشاريعها لم تكن مرتبطة بفلسطين، أو أرض الميعاد، ولا بأفكار دينية تقليدية يهودية، ولا باللغة العبرية، فكل جمعية خيرية صهيونية، يتبع نشاطها الدولة الأوروبية التي تنتمي إليها.
ولما كان لأثرياء اليهود في غرب أوروبا وفي أمريكا كأفراد نفوذ في الغرب وعلاقات مع الحكومات الاستعمارية المختلفة، فقد استغلوا ذلك في شراء الأراضي لتوطين يهود شرق أوروبا، وهذا طابع إغاثي يغاير الإطار الصهيوني العقدي، ولكنهم كما قال الله سبحانه ، في من ينفق في غير محلّه: {فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} (الأنفال 36). لقد بدأ الصهاينة الأثرياء منذ عام 1850م تقريباً، وساندهم المفكرون وذووا الوجاهة التفكير العملي في موطن يستقرون فيه، وخاصة يهود شرق أوروبا.. حتى يتخلصوا منهم، في الوقت الذي كان في أوروبا ضجر منهم، فتسلسل ذلك التفكير في خطوات عملية نوردها باختصار ، خاصة وأن أثرياء يهود وصهاينة غرب أوروبا، لا يهمهم أين سيوطن يهود شرق أوروبا، المهم التخلص منهم وإيجاد المكان المناسب، فكان مندوبو روتشيلد صاحب البنوك المشهور، وجماعة إحياء صهيون يشترون الأراضي، ويطردون سكانها منها ويوطنون اليهود فيها.. في فلسطين وغيرها.. فكان أول تفكير لهم في قبرص وتركيا:
1- توسطوا بأثرياء غرب أوروبا لدى السلطان عبدالحميد بأن يحسن أحوال اليهود، أو السماح لهم بالعيش في أي مكان، ولكن مؤتمرهم الثالث الصهيوني عام 1899م عارض الفكرة بشدة لأنه يعرقل الاستيطان بفلسطين.
2- مشروع الأرجنتين: بأمريكا الجنوبية في عام 1891م اشترت المنظمة العالمية حوالي 750 ألف هكتار في الأرجنتين، ووطنت فيها تقريبا 3500 عائلة يهودية، وأمدتهم بآلات زراعية وخبراء لتدريب المستوطنين، فارتفع عددهم إلى 30.000 مستوطن، فتدهورت أوضاع المزارعين مع تزايد الديون، فبدأ بالانتقال للمدن، وفشل المشروع.
3- مشروع أوغندا: قدمته بريطانيا عندما شارفت عملية بناء خط سكة الحديد يربط الشاطئ الشرقي ببحيرة فكتوريا، رغبة من بريطانيا بإيقاف زحف وهجرة اليهود عليها، ولأن بريطانيا ذلك الوقت حليفة للإمبراطورية الثمانية، قبل التحالف ضدها، وتريد أن يكون هذا المكان باسم فلسطين الجديدة، إرضاء لحليفتها.. وبعد أن وافق المؤتمر الصهيوني في عام 1902م، بأغلبية الأصوات، الِّفت لجنة لزيارة الموقع، لكن المستوطنين البيض أروهم موضعا غير صالح للسكنى ففشل المشروع.
4- مشروع مَدْين شمال غرب شبه الجزيرة العربية: طرح الفكرة الرحالة الصهيوني بول فريدمان، فزار مصر عام 1890م لأخذ الموافقة، ثم في نفس العام شكل قوة عسكرية من 50 رجلا وأبحر بهم متجها إلى الإقليم، فأرسلت الحكومة العثمانية قوة للحد من هذه المغامرة، ومع محاولة بريطانيا الضغط على الأتراك لسحب القوة، إلا أنها لم تفلح فعاد فريد مان لألمانيا عام 1895م.
5- مشروع الجبل الأخضر - برقة - ليبيا: مع مطلع القرن العشرين، بدأ المشروع الصهيوني، بالعملية الاستعمارية الاحلالية للجبل الأخضر، وهي جزء من برقة، ففي عام 1904م عرض هرتزل الصهيوني على الملك الإيطالي إقامة كيان يهودي في طرابلس الغرب، بشكل حكم ذاتي، فلم يستجب له، خاصة وأن إيطاليا لم تكن قد احتلت ليبيا بعد، وسكان ليبيا كانوا قليلا.. ولكن المشروع دفن بسبب مشكلات اعترضت وأهمها قيام الحرب العالمية الأولى عام 1914م.
6- مشروع أنجولا - أفريقيا الغربية: بعد سقوط المشروعات السابقة، تحولت أنظار الصهيونية الى أنجولا لتوطين يهود شرق أوروبا والروس فيها، فتقوض المشروع لقيام الحرب العالمية الأولى، ولشرط البرتغال بأن يكون لها كامل السيطرة على المستعمرة.
7- الخليج العربي: البحرين الأحساء: في عام 1917م كتب الطبيب اليهودي الروسي لبريطانيا مقترحا إقامة دولة يهودية في الجزء الشمالي من منطقة الخليج العربي: تشمل البحرين والأحساء على الشاطئ السعودي، واقترح هذا الطبيب تأليف جيش قوامه 30.000( ثلاثون ألف) مقاتل يهودي من أوروبا الشرقية، يتخذون قاعدتهم البحرين للانطلاق في غزو الأحساء، وأصرّ أن يتم الأمر بسرية كاملة حتى بالنسبة للمجندين، لتكوين دولة هناك يديرها مجموعة من الحاخامات، فوقفت بريطانيا ضد هذا المشروع الصهيوني لأنها مبرمة معاهدة مع البحرين منذ عام 1820م ومع الملك عبدالعزيز عام 1915م، وخوفا من إفساد مشروع وعد بلفور.
ثم نرى زعماء صهيون مع من يناصرهم في الغرب يتخبطون في بحثهم عن مكان لليهود، يستوطنون فيه، لأن الجميع ضاقوا بيهود شرق أوروبا، ويريدون استغلالهم لمصالحهم، فبعد أن فشلت الأماكن السبعة الماضية، نراهم يسعون جاهدين إلى البدائل.
8- مشروع استيطان موزمبيق على جنوب الساحل الشرقي لأفريقيا في عام 1902م.
9- مشروع الكونغو على الساحل الغربي لأفريقيا في عام 1903م.
10- سهل البقاع الشمالي في لبنان عام 1891م.
11- سهل حوران - سوريا عام 1893م.
12- شرق الأردن عام 1893م.
13- جنوب العراق في عامي 1903 - 1904م.
14- أضفة بتركيا عام 1905م.
15- جزيرة رودس.
16- شمال غرب استراليا عام 1933م.
وأخيراً حطت رحالهم بفلسطين تحقيقا لوعد بلفور ومساعدة بريطانيا.. فغرست دولة صهيونية من عام 1948م في قلب بلاد العرب والمسلمين.
كاهنة بني سعد:
جاء في السيرة النبوية لابن هشام: أن عبدالمطلب بن هاشم، نذر أنه متى رزق عشرة من الولد ذكوراً، ورآهم بين يديه رجالاً، أن ينحر أحدهم عند الكعبة شكراً لله، فلما استكمل ولده العدد، وصاروا له من أظهر العُدد، قال لهم: يا بَنِيّ، كنت نذرت نذراً علمتوه قبل اليوم، فماذا تقولون؟ قالوا: الأمر لك وإليك؟ ونحن بين يديك.
فقال: لينطلق كل واحد منكم، إلى قِدْحه، وليكتب عليه اسمه، ففعلوا، ثم أتوه بالقِداح فأخذها، ثم دعا بالأمين الذي يضرب بالقِداح، فدفع إليه قداحهم، وقال: حرك ولا تعجل.. وكان أحب ولد عبدالمطلب إليه عبدالله، فضرب صاحب القِداح السهم فخرج على عبدالله، فأخذ عبدالمطلب الشفرة، وأتى بعبدالله فأضجعه بين الصنمين: إساف ونائلة.. وهم بذبحه فوثب إليه ابنه أبو طالب، وكان أخا عبدالله لأبيه وأمه.. وأمسك بيده عن أخيه.
فلما سمعت بنو مخزوم بذلك.. وكانوا أخواله.. وثبوا إلى عبدالمطلب، فقالوا: يا أبا الحارث، إنا لا نسلم إليك ابن اختنا للذبح فاذبح من شئت من ولدك غيره، وتنازعوا الأمر، ثم وثب السادات من قريش إلى عبدالمطلب، فقالوا له: إن هذا الذي عزمت عليه لعظيم، فإن ذبحت ولدك لم تتهنأ بالعيش بعده، ولكن تثّبتْ حتى نصير معك إلى كاهنة بني سعد، فما أمرتك به فامتثله فقال: لكم ذلك. ثم خرجوا إلى الكاهنة بالشام، فلما دخلوا عليها أخبرها عبدالمطلب بما عزم عليه. فقالت: انصرفوا عنِّي اليوم.. وعادوا من الغد، فقالت كم دية الرجل عندكم؟ قالوا: عشر من الإبل، قالت: ارجعوا إلى بلدكم، وقربوا الغلام، وقدموا عشراً من الإبل، ثم اضربوا عليهما فإن خرج على صاحبكم، فزيدوا على الإبل: عشراً عشراً حتى يرضى ربكم.
فانصرف القوم إلى مكة، ودعا عبدالمطلب بضارب القِداح، فما زال يضرب حتى بلغت الإبل مائة، فكبّر عبدالله وكبّرت قريش.
فقال عبدالمطلب: لا والله حتى أضرب ثلاثاً، فضرب الثانية فخرج على الإبل، وضرب الثالثة، فخرج على الإبل، فعلم عبدالمطلب انه قد بلغ رضا ربه في فداء ابنه.
فقربت الإبل، وهي مائة من جِلّة إبل عبدالمطلب، فنحرت كلها، فداء لعبدالله، وتركت في موضعها، لا يصدّ عنها أحد ينتابها ممن دبّ واندرج، وانصرف عبدالمطلب بابنه عبدالله فرحاً، وهو والد رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي مات ورسول الله محمول به لم يولد بعد عليه الصلاة والسلام.. (سيرة ابن هشام 1:103).


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved