* طريف - محمد راكد العنزي:
تضطرك الظروف أحياناً وعند سفرك إلى مدينة بعيدة من مدن المملكة لقضاء عمل أو زيارة الأقارب والأصدقاء أو للعلاج إلى الاستعانة بسيارات الليموزين لإيصالك إلى الوجهة التي تريدها، ولأن هؤلاء يرتبط عملهم كثيراً بالمشاة فهم يجولون كل يوم في الشوارع والأحياء بحثاً عن راكب لإيصاله مقابل مبلغ مادي؛ ولذا فإن احتكاكهم اليومي مع الناس وتبادل الأحاديث والمواقف معهم جعلتنا نحاول اقتحام عالمهم المضني والشاق بالإنصات إليهم والتحاور معهم عبر عدة مشاوير جعلتنا نخرج منهم بهذه المواقف والكلمات.
دعنا نشاهد الحادث
حيث يقول نور علي، هندي الجنسية: كنت أقوم بإيصال أحد الشباب إلى أحد الاستراحات، وفي الطريق كان هناك حادث سير في الجهة المقابلة حيث كان التجمهر واضحاً، والكثير من السائقين أوقفوا سياراتهم في الجهة المقابلة للشارع الآخر ونزلوا كالعادة لمشاهدة ما حصل من باب الفضول، ويبدو أنهم ليسوا هم فقط من يحب مشاهدة مثل هذه الفواجع، وانما كان صاحبنا كذلك حيث طلب مني فجأة التوقف وإنزاله في نفس المكان حتى لا يفوّت على نفسه مثل هذه المشاهد، ولزيادة أعداد التجمهر بلا سبب، مما يؤدي إلى إعاقة رجال الدفاع المدني والهلال الأحمر عن أداء عملهم، وتخيلوا لو وقع لأحدنا حادث عارض، هل سيحب ان يتحول إلى (معرض) مفتوح للمشاهدين، بحيث يتأوه هو بداخل سيارته من الآلام المبرحة بينما يتحلق الجميع من حوله وبكل برود لمشاهدته؟!.
راكب يسرق الجوال
ويقول إسلام محمد، باكستاني الجنسية: ان أحد الشباب ركب معه من الورش الصناعية، وقد أوقف سيارته هناك للتصليح، وفي الطريق وبينما أيقن الشاب أننا اقتربنا من العمارة التي يسكن فيها صار يحدثني عن جوالي وقيمته ومن أين اشتريته، وهو يقلبه بيده عدة مرات، وقد ظننت عند وصولنا انه قد أعاده إلى مكانه في الشاحن، لكنه غافلني عندما أخرجت له بقية النقود لمحاسبته بأن أخذ الجوال ودخل مسرعاً إلى العمارة، وقد اقتفيت أثره ولكنني فقدته لأن العمارة فيها عشرات الشقق، فاضطررت لإبلاغ الشرطة بالأمر لعلني أجد جوالي الذي اشتريته براتب شهر من عملي وتعبي وعرق جبيني.
صندوق خيري
أما سعيد الجابري سعودي فالحقيقة انه ذكر لنا جهودهم في مجال التكافل الاجتماعي، فهو كما يقول قد أسس وأقاربه صندوقاً للتكافل والتعاون بحيث يكون مخصصاً فقط لدفع الدية والدم عن أي فرد من أفرادها يحصل له حادث لا سمح الله، وتكون المساهمة بالصندوق بأن يدفع كل شخص مائتي ريال سنوياً عن كل فرد من أسرته ممن بلغ السن القانونية، ثم يتم جمعه لدى أحد الثقاة في الأسرة بحيث يقوم بوضعه في حساب بالبنك، ويقدم عنه كشف حساب كل فترة، ثم تجتمع الأسرة سنوياً للاطلاع على أحوالها ومناقشة أمورها ودراسة الأعضاء الجدد والمنسحبين منه ومصروفات الصندوق، وهي بلا شك فكرة جيدة وعمل خيري يستحق الثناء.
كادت تضع بالسيارة
فيما يشير أحمد دسوقي مصري إلى أن سياراتنا قد تتحول أحياناً إلى سيارات إسعاف، حيث نقوم بمساعدة المرضى أو الذين يقع لهم حادث إلى المستشفى، وقد قمت ذات يوم بالتوقف لإيصال امرأة إلى أحد المجمعات التجارية، لكنها في الطريق يبدو انها قد غيرت رأيها مضطرة بسبب آلام الولادة التي أصابتها، وتحول المشوار من السوق إلى أقرب مستشفى، حيث أنزلتها واضطررت للاتصال بزوجها لموافاتها هناك، وعدت بدون أخذ الحساب لأن المرأة لم تكن في ظرف يسمح لها بذلك، كما أنني خجلت من انتظار زوجها لمجرد عشرة ريالات ولأنه قد يتأخر مما يحرمني من العمل، فالوقت محسوب عليّ كثيراً.
مشاهد محزنة ومؤسفة
ويقول أبو خالد، سعودي: في طريقنا للبحث عن زبائن أو عند إيصالهم لمشاويرهم فإننا نرى الكثير من المشاهد اليومية الغريبة والطريفة والمحزنة، فأكثر شيء يحزنني ويدعو للأسف عندما اقف عند الإشارات الضوئية وأرى أطفالا في عمر الزهور يبيعون المياه الباردة وعلب المناديل وبعض الألعاب الصغيرة وهم حفاة الأقدام وتحت حرارة شمس لاهبة، فأين ذهبت أسرهم عنهم؟؟ أيضا منظر بعض الشباب وما وصلوا اليه من حال يؤسف عليه، حيث يزاحمون سيارات العوائل ويضيّقون الخناق عليهم عند الإشارات ويتلفظون عليهم بشتى أنواع العبارات الغزلية، ويرمون عليهم أرقامهم، فبالله هل يرضى هؤلاء على أنفسهم ان يتحدث أحد على أعراضهم حتى يستسيغوا هم أعراض الناس؟ كذلك مشاهدة المضاربات بين الشباب والمراهقين عند المدارس وقيادة صغار السن للسيارات وحوادث الطرق أمر تقشعر له الأبدان.
ملل وفتور
فيما يشير أخيراً حسين إقبال، باكستاني، إلى أن بعض الزبائن لا يحب كثرة الحديث مع سائقي الليموزين ويفضل الصمت حتى الوصول إلى مراده، فتجده منغلق على نفسه، ونحن نعرف نفسيات الركاب بعد ان اكتسبنا الخبرة في ذلك من طول التجربة وكثرة الممارسة؛ ولذا فإننا نحاول ان لا ندخل ابداً معهم في خصام، وإنما نحاول ان نفتح لهم المجال في الحديث، فإن تحدثوا الينا تحدثنا معهم بإسهاب، ولا تلومونا في ذلك، على الرغم من ان الكثيرين ينعتوننا (بالثرثارين) لأننا نعمل طوال اليوم ونقطع المسافات الطويلة فنشعر بالملل والتعب؛ ولذا فإننا نحاول من خلال الدردشة وتبادل الأحاديث القضاء على هذا السأم والملل. كما ان هناك الكثير من الافراد من أصحاب المزاجات الصعبة الذي لا تستطيع الحديث معه ويبادرك فوراً بان تنتبه لعملك وللطريق ولا تثرثر كثيراً فيما لا يعنيك.
|