Thursday 4th March,200411480العددالخميس 13 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من أين أتينا؟ من أين أتينا؟
الفرز الدقيق للمتاجرين.. بقضيتنا
د.عبدالله بن ناصر الحمود (*)

لعل الأمم والشعوب لم تتطور وترتقِ في مختلف عصور المجتمع البشري، إلا نتيجة طبيعية لعمليات النقد والتقويم الموضوعي. والنقد والتقويم والتسديد للواقع الإنساني يأتي من درجات مختلفة جداً. الرسالات السماوية كانت نماذج حية للعناية الإلهية بالإنسان وتقويم واقعه وهدايته السراط المستقيم، بما يكفل له صلاح أمره في الحياة الدنيا وفي الآخرة. والعلماء والمفكرون - بعد ذلك - هم حملة راية النقد والتقويم من أجل مستقبل أفضل للكون، وللحياة فيه. غير أن ارتباط عمليات النقد والتقويم البشري تلك، بالمصالح العليا للمجتمع الإنساني، قد جعلت - كما يبدو - تلك العمليات مسألة معقدة جداً، ليس لحساسية مهمة النقد والتقويم ذاتها فقط، ولكن أيضاً لعظم مسؤولية تحديد ماهية المصالح العليا للمجتمع، والحديث عنها، والاتفاق حول كثيرٍ من مركباتها، والمشاركة في صياغتها. ولأن تحقيق المصلحة العليا بشكل خاص، والمصلحة العامة، بشكل أوسع، حاجة قائمة لجميع عناصر مجتمعنا المعاصر، فقد بات الأمر رهن كثيرٍ من المتغيرات التي قد يصعب تحديدها والفصل بين الصالح منها والطالح إلا بمهارة عالية جداً قد تعز على كثير ٍمن أهل الفهم والدراية. ولهذه الأسباب، فإنني - في مداخلة اليوم - سأقتصر على طرح بعض الرؤى تاركاً المجال أرحب للقارىء الحصيف أن يجتهد في تلمس النجاة في واقعنا المعاصر المتلاطم بكثيرٍ من تلك المتغيرات.
فلا يُخفى على كل ذي لب، أن لنا قضية ساخنة اليوم على المسرح العالمي. وأزعم أن كثيراً من مركبات تلك القضية قد بات ظاهراً واضحاً، مع عددٍ من المركبات الخفية التي قد نحتاج - جميعاً - إلى وقت أطول لأن تظهر وتبين. وفي ضوء هذا الواقع، تصعد المصلحة العليا للمجتمع في أعلى درجات الحوار والنقاش والجدل الدولي والوطني. العالمي والإقليمي والمحلي. المؤسسي والفردي. ولأننا مهمّون جداً على الساحة العالمية والدولية، فقد انشغل كثير من الصادقين الموضوعيين والقاصدين للإصلاح العام والخاص بقضيتنا. وأعتقد أننا، مجتمعاً وأفراداً، ومؤسسات، قد سعدنا ونسعد بكل تلك المحاولات الجادة للنقد والتقويم والتسديد لمسيرتنا نحو مستقبل واعد ومشرق بإذن الله تعالى. ولكن - ربما - كان من بين تلك المحاولات - أيضاً - نوع آخر من الرافعين لشعارات التقويم والتسديد لمنجزاتنا المجتمعية، والمراهنين على مصالحنا العامة والخاصة، والمتاجرين بمصالحنا العليا. قد يكون يدفعهم لذلك دوافع عديدة جداً، فمنهم من يسعى لتحقيق مكاسب ذاتية آنية مباشرة، فهم متاجرون ومرتزقة. ومنهم مشاكسون محبطون خبت أصواتهم لسنين مضت وواتتهم الفرصة اليوم لممارسة إحباطاتهم من جديد، فهم مسيسون وموظفون من حيث يعلمون ومن حيث لا يعلمون. ومنهم جهال منحرفون متطرفون اتخذوا من أمثالهم قادة ومرجعية، فهم مغالون خارجون عن صف الجماعة مكفرون لأئمة المسلمين وعامتهم. ومنهم مريدون للمجد والسلطان متخذون دون ذلك لباساً دينياً، فهم منافقون كاذبون، ومخادعون أشرار. ومنهم دون ذلك كله، أو فوقه. ولأن مجتمعنا اليوم قد يواجه كل أو معظم تلك الأصناف، الذين يقدمون أنفسهم في مقابل المجموعات الأخرى المنصفة حقاً، والمريدة للمصلحة فعلاً، والأكثر والأغلب والأعم بإذن الله ومنته، فقد يلزمنا جميعاً مؤسسات وأفراداً أن نرفع من مستوى وعينا بما حولنا، وأن ندرك أنه في حين يريد كثيرون بنا خيراً، ربما كان من بيننا أو من حولنا من يتاجر بقضيتنا. فالفرز الدقيق لما نقرأ ونسمع ونشاهد ونعيش بات امراً فصلاً في سعينا المعاصر لفهم وتفسير وتقويم وتسديد واقعنا وتطلعنا لمستقبل أكثر إشراقاً.

(*) عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved