صدر حديثاً عن جامعة الملك سعود بالرياض كتاب حمل عنوان (أصول وقواعد الموازنة العامة) من تأليف الأستاذ محمد بن عبدالعزيز المعارك المستشار المالي ومدير عام الميزانية والتخطيط بوزارة البريد والبرق والهاتف سابقاً والدكتور علي شفيق أستاذ القانون العام سابقاً في جامعة بغداد ومعهد الإدارة العامة بالرياض، أثبت المؤلفان مدى فاعلية نظام الموازنة العامة للدولة وتطور نظام الرقابة على الأموال العامة في المملكة، ولقد توصل الباحثان إلى هذه النتيجة من خلال بحث وتحليل التطورات التي أدخلت على الأساليب الإدارية والمحاسبية التقليدية والمفاهيم المالية والمحاسبية الحديثة التي تم تبنيها ومنها ما يتعلق بهيكل الموازنة وعمليات الصرف والجباية، وتحصيل الإيرادات العامة، والرقابة على تنفيذ الموازنة.
في نظر الباحثان هناك فائدة كبيرة للرقابة الفعالة خاصة في البلدان النامية، حيث إن من شأن ذلك ضمان سلامة تنفيذ الموازنة وخاصة في جانب الصرف أي رقابة المشروعية، وضمان الاستجابة لمتطلبات المهام الجديدة للتنمية أي رقابة الكفاءة والأداء.
واعتمد الباحثان في دراستهما عن الموازنة العامة للدولة على تحليل عدد كبير من المراجع العلمية والوثائق والاحصائيات الرسمية في المجالين المالي والاقتصادي.
وتطرق الباحثان في هذا الكتاب إلى حرص المملكة على وضع قواعد وتنظيمات تتعلق بالرقابة العامة على الحكومة في مجال الصرف وتحصيل الإيرادات بشكل يضمن سير إجراءات إقرار وتنفيذ الموازنة بصورة سليمة، واستبعاد الممارسات التي قد تكون تعسفية وتؤثر على حسن التصرف في الأموال وسلامة نشاط المرافق الحكومية ومشاريع التنمية الاقتصادية.
وأشار المؤلفان إلى أن تضاعف حجم الموازنة العامة في العصر الحاضر والتوسع الهائل في طبيعة وأغراض الصرف نتيجة لتوسع مهام الدولة أدى إلى ظهور الحاجة المتزايدة إلى المرونة في قواعد اعتماد وتنفيذ الموازنة العامة.
وأكدا على أن التطبيقات في المملكة تشير إلى أن بعض الإجراءات المالية والمحاسبية اللازمة لسلامة الصرف مازالت مشددة، وتتمثل باستمرار القيود على المصالح المسؤولة عن التنفيذ، وبالتالي ضمان الإدارة الفعالة للأموال العامة، ولكن بدون التأثيرات على الاعتبارات الاقتصادية التي أصبحت تتصف بها عمليات تدفق النفقات والإيرادات.
والمهم أن قواعد استخدام الاعتمادات المرصودة في الموازنة تحرص بالدرجة الأولى على تحقيق الإدارة الفعالة للأموال العامة، وضمان صحة وسلامة عمليات الصرف والجباية.
وأكد الباحثان على ان إيرادات الموازنة العامة للدولة من المصادر غير النفطية في المملكة بصورة خاصة ودول مجلس التعاون الخليجي بصورة عامة، وقد حققت نموا ملحوظا في السنوات الأخيرة نتيجة تبني الدولة سياسة تنمية تهدف إلى تطوير الإيرادات غير النفطية لمواجهة تقلبات أسعار النفط.
وفي إطار سعي الدولة نحو التطوير والارتقاء بالقواعد المالية والمحاسبية فقد أشار الباحثان إلى أن الدولة تبنت أساليب حديثة من شأنها ملاءمة الرقابة السابقة للصرف مع المعطيات الجديدة المرتبطة بمهام التنمية ومتطلبات نشاطها في المجال الاقتصادي. كما حرصت المملكة على تقوية فاعلية الرقابة اللاحقة وإزالة المعوقات التي تؤدي إلى تعثر مهامها وهذا يتماشى تماماً مع توصيات خبراء الأمم المتحدة بهذا الشأن.
وأكد الباحثان بالأخص على تطور دور الرقابة قبل الصرف بواسطة ممثلين ماليين تابعين لوزارة المالية في المملكة ودور الرقابة المالية بواسطة ديون المراقبة العامة الذي يعود تأسيسه إلى تأسيس أول مجلس للوزراء في عام 1373هـ.
كما أشار الباحثان إلى التطورات الحاصلة في الأجهزة المالية والتخطيطية وأجندة الرقابة مؤكدين ان فاعلية أي نظام للرقابة المالية لا تعتمد فقط على أساليب وأشكال الرقابة المعتمدة بل أيضا وهذا مهم جدا على طبيعة هياكل الأجندة التي تمارس مهمة الرقابة ومدى توفرها على الوسائل الضرورية لإنجاز مهامها.كما تطرق الباحثان إلى نشأة وتطوير عملية التخطيط والأجندة في المملكة مع التركيز على خطط التنمية منذ بداية الخطة الخمسية الأولى عام 1390هـ حتى خطة التنمية السابعة وهي الخطة الحالية (1420 - 1425هـ). كما تم عرض تطور الأجندة المسؤولة عن التخطيط وبالأخص بعد تحويل الهيئة المركزية للتخطيط إلى وزارة للتخطيط عام 1395هـ التي أنيطت بها مهمة إعداد وتنفيذ خطط التنمية الخمسية وتقدير التكاليف المالية التي تتطلبها خطط التنمية.
إن أهم ما يميز الموازنة الحديثة عن الموازنة التقليدية وجود الصلة الوثيقة بين الموازنة والتخطيط أو البرمجة الاقتصادية. وعليه فقد حرصت المملكة على جعل خطط وبرامج التنمية إطاراً متيناً للموازنة العامة وتقوية العلاقات التنظيمية والفنية بين أجهزة التخطيط والأجهزة المالية في الدولة.
كما أوضح الباحثان أن دعم القطاع الخاص يعتبر في المملكة وبقية دول مجلس التعاون الخليجي من أهم محاور السياسة المالية في ضوء السياسة الاقتصادية التي تعتمد على نظام السوق الحرة.
ويشير الكتاب إلى أنه في المملكة يستخدم المسؤولون عن التخطيط أدوات مالية مختلفة في تنظيم وتوجيه السوق وفق الأهداف المقررة في الخطة، ومنها بالأخص السياسات الاقتصادية لدعم وحماية الاستثمارات الوطنية الأجنبية في المشاريع المرخص بها والتي تعود بالفائدة على الاقتصاد والمجتمع.
ولأجل مد جسور بين خطط التنمية والموازنة العامة، فقد تم السعي نحو اتخاذ إجراءات تهدف إلى تحديث نظام الموازنة التقليدي بما في ذلك تكييف هيكل الموازنة وأنظمة تبويب النفقات والإيرادات والمحاسبة والرقابة وأساليب إعداد وثائق تقديرات الموازنة وفقاً للمتطلبات اللازمة لتحقيق إدارة فعالة للأموال العامة ومراقبتها واستخدام الموازنة العامة كأداة للتدخل الاقتصادي والاجتماعي.
ومن أهم ما يتميز به الكتاب استخدامه أحدث المراجع العلمية والوثائق الرسمية لأحدث النصوص القانونية لقواعد إعداد وتنفيذ ومراقبة الموازنة العامة في المملكة وكذلك احتوائه على جداول وإحصائيات مهمة عن الموازنة وخطط التنمية الاقتصادية.
أما عن التحديات الهيكلية التي تواجه المسؤولين عن الموازنة العامة للدولة، فيرى الباحثان أن أهمها يتمثل في ضرورة زيادة وسائل التحكم والسيطرة وأساليب التنسيق المستمر بين الأجهزة الإدارية لمواجهة مشاكل التشابك والتداخل بين الموازنة العامة وخطط التنمية.
|