بداية أجزم بأن مقالي هذا لا يعبر عن مجرد رأي شخصي أو مشاعر شخصية، بل هو واقع وحقيقة المجتمع السعودي، كما لا يقدم دفاعا عاطفيا عن المملكة العربية السعودية وإن كان هذا من حقي ومن حق كل مواطن حر وشريف.. لكنها الحقائق الموثقة والثابتة عن المملكة العربية السعودية وأبنائها والمدونة جيداً لدى الهيئات والمنظمات العالمية الرسمية ولدى حكومات العالم.. ولا يمكن تجاهلها والضرب بها عرض الحائط.
إن المملكة العربية السعودية تمتلك سجلاً إنسانياً فريداً يقدم أكبر مساعدات إنسانية على مستوى العالم يقطع أكثر من 5.5% من المتوسط السنوي الاجمالي للناتج القومي تقدمه لأكثر من 70 دولة في العالم وأهم ما يميز تلك المعونات والمساهمات الإنسانية ان المملكة لا تأمل من ورائها عائداً استثمارياً أو مادياً بل تخفيف آلام الإنسان أينما كان في أي من أنحاء العالم وانتشال الدول والشعوب من أزماتها وقت الشدة.
ولطالما كان للمملكة دور فعال ونشط في إقرار السلام والعدل في العالم ولها جهودها الرائدة في سبيل السلام يؤكد انها من أكبر محبي السلام في العالم، بذلت الجهود الدبلوماسية وطرحت المبادرات من أجل تحقيق ذلك على الساحة السياسية العربية والعالمية، ومن أبرز ذلك مبادرة السلام التي طرحها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز في قمة فاس عام 1982م، ومبادرة ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز التي طرحها في قمة بيروت عام 2002م.
كما عرف عن المملكة أنها أحد ركائز الأمن والطمأنينة والاستقرار العالمي، وبمنأى عن بؤر النزاعات والتوتر وأبعد مايكون عن سياسات المغامرة وبسط النفوذ والتآمر.
وعلى الصعيد الداخلي قامت حكومة المملكة العربية السعودية بقيادتها الرشيدة بتنفيذ مجموعة خطط تنموية انعكست في شكل إنجازات حضارية لم تعهدها البشرية من قبل نظراً للزمن القياسي الذي تحقق فيه ذلك، شملت كل مجالات الخدمات والبنية الأساسية كالتعليم والصحة والخدمات الاجتماعية والنقل والمواصلات والطرق والكباري والإسكان والاتصالات اللاسلكية والصناعة والكهرباء وتحلية المياه وتطوير المدن وخاصة المدن المقدسة وعمارة وتوسعة الحرمين الشريفين.
إن المجتمع السعودي من أكثر المجتمعات أمناً في العالم إن لم يكن أكثرها أمناً على الإطلاق وهذا ليس برأي شخصي أو استنتاج شخصي، فنحن نتحدث هنا عن تقارير تصدر بشكل دوري من هيئات عالمية لها مصداقيتها مثل اليونسكو تؤكد ان المملكة العربية السعودية أقل دول العالم في معدلات العنف والجريمة.
فعندما تصدر هيئات عالمية تقارير موثقة من هذا النوع، فهذا دليل دامغ وقاطع على اننا أمام مجتمع مسالم محب للآخر ومنفتح على الآخر لا يمارس العنف ولا التطرف ولا يعرف الكراهية والحقد وأبعد ما يكون عن مواصفات الإرهاب.
فمنذ أكثر من أربعة عقود وتحديداً عندما ظهر النفط في المملكة توافدت العديد من شركات النفط الأمريكية العملاقة إلى المملكة وكانت تضم آلاف الموظفين الأمريكيين إلى جانب العديد من الشركات والتوكيلات التجارية الأمريكية والغربية والتي كانت تضم أعدادا كبيرة من الموظفين الأمريكيين والغربيين أيضاً وبقي إلى يومنا هذا أعداد لا يستهان بها من الأمريكيين والغربيين في المملكة إلى جانب من يعملون في السفارات والقنصليات والمراكز الثقافية الأمريكية والغربية، وجميعهم عاشوا آمنين على أرواحهم وأموالهم وأعراضهم أكثر مما يحظون في بلادهم.
وإن سألت أي مواطن سعودي أيا كانت درجة ثقافته ومؤهلاته العلمية وحتى ان كان أمياً، من أحب الشعوب الغربية إلى نفسك؟
لذكر لك بلا تردد الشعب الأمريكي ضمن الشعوب التي يحبها، فالشعب الأمريكي يحظى بكثير من الحب والاحترام والاعجاب من شعب المملكة العربية السعودية وهذا الأمر يدركه جيداً من عاشوا وعملوا في المملكة لسنوات من الأمريكيين.
وإن جاءت العطلات وسألت المواطن السعودي أي بلد غربي يرغب السفر إليه لتمضية العطلة؟
سيقول أيضاً أمريكا ضمن البلدان المفضلة لديه فغالبية طلاب العلم والدراسات العليا في المملكة العربية السعودية يبعثون إلى أمريكا للدراسة تلبية لرغباتهم لانها اختيارهم الأول والمفضل.
والمملكة من أكبر الأسواق العالمية للمنتجات الأمريكية في الشرق الأوسط وأكبر مستورد للمنتجات الأمريكية لم يكن كل هذا ليحدث ويطبق على أرض الواقع إن لم يكن المواطن السعودي محبا ومنفتحا على الآخر ولكن حفاظا على المصداقية في هذا المقال، شهدت المنتجات والسلع الأمريكية تراجعا شعبيا كبيرا من حيث الإقبال عليها من قبل المواطنين في كافة الدول العربية والإسلامية في السنوات الأخيرة، نظرا للنهج المتطرف والعدواني الذي تتبعه الإدارة الأمريكية الحالية مع العرب والمسلمين.
ولم تشهد أمريكا أو المملكة العربية السعودية لا على الصعيد الرسمي ولا الشعبي شكاوى تتضمن ممارسات تدل على أي عنف أو كراهية أو إرهاب يصدر من المواطنين السعوديين سواء داخل المملكة أو من السعوديين المقيمين في أمريكا على مدار عقود من الزمن ولكن قد تسجل بعض المخالفات المرورية أو مخالفات في تطبيق بعض اللوائح والأنظمة الأمريكية من قبل سعوديين مقيمين في أمريكا، للجهل بها، نظرا لاختلاف الأنظمة والقوانين من بلد لآخر وتلك المخالفات تسجل أيضاً لبعض مواطني الجاليات المختلفة في أمريكا، كما تسجل ضد مواطنين أمريكيين أيضاً وهذه كلها أمور لا يمكن اعتبارها عدوانا أو عنفا أو كراهية أو حقدا أو تطرفا أو إرهابا.
وما حدث في 11 سبتمبر من تفجير لبرجي مركز التجارة في نيويورك ومبنى البنتاغون في واشنطن هو عمل إرهابي صدر من قلة تطرفت في فكرها عن المجتمع السعودي كما تطرفت في عقيدتها عن الإسلام، وخرجت عن نهج المملكة العربية السعودية وأبنائها، المتعارف عليه لعقود طويلة من الزمن.
وأكبر دليل على أن تلك الفئة الخارجة عن فكر وعقيدة المملكة ونهجها هو تكرار أعمال إرهابية مماثلة للحادي عشر من سبتمبر داخل المملكة العربية السعودية ولاسيما في العاصمة (الرياض)والتي خلفت الكثير من الضحايا من أبناء المملكة العربية السعودية من السعوديين ومن المقيمين عربا ومسلمين وقد أدان ذلك العمل الإرهابي جميع الدول العربية والإسلامية.. حكومة وشعبا كما أدانوا الأعمال الإرهابية التي حدثت في 11 سبتمبر بأمريكا، لكن توجد أسئلة تطرح نفسها وبقوة هنا، ويستوجب ان يطرحها المواطن الأمريكي، نفسه على إعلامه وعلى المسؤولين الأمريكيين:
أولاً: هناك الكثير من الضحايا العرب والمسلمين، لقوا حتفهم في برجي مركز التجارة بنيويورك في أحداث 11 سبتمبر لماذا تم تجاهلهم تماماً في وسائل الإعلام الأمريكية المختلفة؟
ولماذا تم تجاهل الإعلان عن ذلك أيضاً في تصريحات المسؤولين الأمريكيين؟
ثانياً: كيف لمرتكبي أحداث 11 سبتمبر أن ينفذوا ما نفذوا على هذا النحو من الدقة؟
وكيف أتيح لهم كامل الوقت وكامل الفرصة؟
فالطائرة الأولى تقوم بتحقيق الهدف والاصطدام بالبرج الأول ثم بعد مرور بعض الوقت تأتي طائرة أخرى لتنفذ نفس الشيء بالبرج الثاني ثم طائرة ثالثة تذهب إلى واشنطن وتضرب البنتاغون ولم تنطلق مضادات أرضية والمفترض ان مبنى البنتاغون تحيط به أجهزة رادار على أعلى مستوى من الدقة تستشعر اقتراب جسم غريب من مسافة بعيدة، كيف والجميع كان لديهم كامل الوقت للتنفيذ وكامل الفرصة في غياب لكل حيطة أمنية حتى في مبنى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون).
ثالثاً: ألم يحدث تواطؤ داخلي مؤكدا استغلال حدث كبير ومأساوي بهذا الحجم لتبرير تنفيذ مخططات خطيرة كانت معدة سابقاً تنتظر الفرصة السانحة لها؟
فإن كانت تلك القلة التي قامت بقتل ما يتراوح بين ألفين إلى ثلاثة آلاف من بينهم عرب ومسلمون في برجي مركز التجارة في أحداث 11 سبتمبر أدانهم العالم أجمع واتهمهم بالإرهاب فبماذا نصف إدارة خلفت أضعاف ما خلفت أحداث 11 سبتمبر من ضحايا مدنيين أبرياء في أفغانستان والعراق ووصلت الأرقام بالآلاف إلى حد يصعب عده فالقبور أصبحت جماعية؟
ومع ان السياسة الخارجية الأمريكية معروفة لدى العالم بتحيزها المطلق لإسرائيل وبتبنيها لجميع المخططات ووجهات النظر الصهيونية وقرار الحرب على العراق طبخ في تل أبيب ، وأمريكا مازالت تعطي إسرائيل طائرات (F16) والأباتشي، لقتل الفلسطينيين وتمدها بضوء أخضر فاقع لتنفذ الاغتيالات وهدم المنازل وتجريف الأراضي وبناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة ولم توقف ولم تدين بناء الجدار العنصري الذي تبنيه إسرائيل والذي يضم أكثر من 58% من الأراضي الفلسطينية المحتلة، والذي أدانته الأمم المتحدة وغالبية دول العالم، وبالرغم من أن أمريكا رفعت ما يقارب 100 فيتو في مجلس الأمن ضد قرارات ملزمة ومدينة لإسرائيل تتعلق بالقضية الفلسطينية، إلا اننا نفرق جيداً بين السياسة الخارجية الأمريكية والشعب الأمريكي، فلسنا حقودين ولا نخلط الأوراق.. كما نعلم جيداً بأن الشعب الأمريكي ليست له كلمة ولا سلطة ولا نفوذ في سياسته الخارجية، ولا يملك صنع قرار الحرب، كما لا يملك قرار بطلانه.
ولذلك نحن نقدر كثيراً ما قام به الشعب الأمريكي ليوقف الحرب على العراق، ولن ننسى ذلك، فلقد شاهدنا كما شاهد العالم أجمع عبر الفضائيات المختلفة تلك الآلاف التي خرجت من كل ولاية أمريكية قبل حرب العراق في مظاهرات تندد بالحرب وتطالب بوقف قرار الحرب.
نعلم جيداً أن الشعب الأمريكي ضحية إعلامية وضحية ما يبث له عبر وسائل الإعلام الأمريكية وضحية هيمنة الصهيونية على إعلامه وعلى صانعي القرار في الإدارة الأمريكية، ولذلك الإعلام يطرح نماذج دعائية سيئة ومشوهة عن العرب والمسلمين وعن مواطني دول الخليج البترولية تحديداً، تظهرهم بأنهم همجيون أغبياء محدثي نعمة يتباهون بالانفاق، غارقين في الشهوات عنيفين قاسين، فإن كانت هناك قلة على هذا النحو في دول الخليج فلا شك أن في كافة دول العالم توجد قلة أيضاً من نماذج أسوأ ويوجد في المجتمع الأمريكي أيضاً قلة مما هو أسوأ، من مرتكبي الجرائم والعنف ومن تجار المخدرات ومن العصابات المنظمة ومن المافيا العالمية ومن المتهربين من الضرائب ومن الخاطفين والسارقين... إلخ مما هو مسجل في تقارير رسمية عن معدلات العنف والجريمة في المجتمع الأمريكي لدى الهيئات والمنظمات الرسمية.
وما يحدث من تشويه لصورة العرب والمسلمين في الإعلام الأمريكي يطال القضايا العربية والإسلامية أيضاً، ودائماً لا تطرح الحقائق والصور كاملة، ومثال واحد على ذلك أقدمه هنا ليتمعن فيه المواطن الأمريكي، تطرح بعض الفضائيات في أمريكا مشاهد لأطفال الحجارة في فلسطين المحتلة وهم يقذفون الجندي الإسرائيلي المحتل بالحجارة، دون أن يطرحوا كامل الصورة ، وهي أن صدور هؤلاء الأطفال تتلقى طلقات الدبابات والرشاشات الإسرائيلية وهم يعيشون في حرقة وألم وفي أشد حالات البؤس، فمنهم من قتلت القوات الإسرائيلية أخاه أو أباه أو أمه أو هدمت منزله وقتلت أسرته بالكامل فالممارسات الإجرامية الإسرائيلية خلفت أكثر من ثمانية آلاف يتيم فلسطيني واليونسكو ومنظمات حقوق الإنسان والصليب الأحمر على علم بذلك كما هم على علم بالمجازر التي نفذت في حق الفلسطينيين والتي تعد جرائم حرب
إن العالم متعدد الثقافات والأديان والحضارات فليس من العدل ولا من الديمقراطية، فرض ثقافة واحدة على العالم ومفاهيم ومعتقدات واحدة ومحاربة كل من يختلف عن ذلك ووصمه بصفات بشعة لتشويه صورته ولإجباره على التجرد من هويته الحقيقية ومن ثقافته وحضارته ومعتقداته الدينية، فذلك قمة الديكتاتورية والاستبداد.
ولنؤمن بالتعددية والاختلاف ولنحترم جميع الثقافات والأديان والانتماءات ولنعرف أننا جميعاً نشترك في سمات مشتركة وهي اننا بشر، نشعر ونتألم، نحلم بمستقبل آمن لنا ولأطفالنا، ولنا الحق في أن نحيا في عالم تسوده المحبة والسلام.
وبقيت أسئلة تطرح نفسها وهي:
هل قرارات الحرب حكيمة؟ وهل وجدت أسلحة الدمار الشامل المزعومة في العراق والتي كانت الذريعة لقيام الحرب؟
وماذا عن الجنود الأمريكيين الذين قتلوا في العراق وأفغانستان؟
ماذا عن أعباء تلك الحرب على الاقتصاد الأمريكي وتداعيات ذلك على المواطن الأمريكي والضرائب التي يتحملها؟
وماذا عن آلاف من الأبرياء المدنيين الذين قتلوا في أفغانستان والعراق؟
ألا توجد حلول دبلوماسية أكثر إنسانية للتعامل مع البشر؟
هل هذا يصدر من دولة تؤمن بالديمقراطية وتحترم حقوق الإنسان، ولو الحد الأدنى من ذلك؟
وإن كان الشعب الأمريكي لا يملك الكلمة في شأن قرار الحرب، فاليوم له الكلمة الأولى والأخيرة في صناديق الاقتراع وعليه أن يقرر، هل يريد المزيد من نهج الحرب والدمار والقتل والهدم وحشد المزيد من الكراهية والعداء لأمريكا أم يريد نشر رسالة سلام ومحبة تؤمن بالحوار وتحترم الاختلاف وتمارس نهجا دبلوماسيا إنسانياً يجمع المزيد من الحلفاء والأصدقاء والكثير من المحبين لأمريكا؟
( * ) عضو عامل هيئة الصحفيين السعوديين/عضو الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
ص.ب 4584 جدة 21421 - فاكس جدة 026066701
|