Wednesday 3rd March,200411479العددالاربعاء 12 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الجمعية الفقهية.. الآمال والتحديات الجمعية الفقهية.. الآمال والتحديات
أ.د عياض بن نامي السلمي

لا شك أن تنافس الجامعات ومؤسسات التعليم في احتضان الجمعيات العلمية مما يدل على الوعي بأهمية تلك الجمعيات ومساعدتها على تحقيق أهدافها، وتعزيز الروابط بين أصحاب التخصصات المتماثلة توحيداً للجهود ودعماً لمبدأ التعاون على البر والتقوى وتحقيقاً لتلاقح الأفكار، وإثراء البحث العلمي.
وكان من بين تلك الجمعيات الجمعية الفقهية السعودية التي احتضنتها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وصدرت الموافقة على إنشائها وعقد الاجتماع التأسيسي لها في شهر رجب من عام 1423 من الهجرة.
وحينما صدرت الموافقة على تلك الجمعية وكان لي شرف في المشاركة في لجنتها التأسيسية ثم في مجلس إدارتها كنت آمل أن تكون أكبر الجمعيات وأكثرها أعضاء ولكن بعد مضي عام من تأسيسها رأيت ان الذين انضموا إلى عضويتها لم يكن عددهم كما أتوقع ولا قريباً منه. ذلك ان تخصص الجمعية وهو الفقه وأصوله يضم أعداداً كبيرة من حملة الدرجات العلمية في هذا التخصص، يعملون في كليات الشريعة الست في كل من مكة والمدينة المنورة والرياض وأبها والقصيم والاحساء بالإضافة إلى أعضاء هيئة التدريس في أقسام الدراسات الإسلامية في بعض الجامعات وفي كليات المعلمين وفي مجال القضاء نجد ثلة كبيرة من أصحاب الفضيلة القضاة ورؤساء المحاكم الشرعية وهؤلاء لهم الخبرة العلمية في تطبيق أحكام الشريعة وانضمامهم إلى عضوية الجمعية له أكبر الأثر في تحقيق أهدافها. ويضاف إلى هؤلاء وأولئك كثير من المتخصصين في الشريعة من المستشارين والمدرسين والمحامين وغيرهم. ومع وجود هذه القاعدة العريضة كنت أتوقع أن يصل العدد الحاصل على العضوية العاملة في الجمعية إلى آلاف ولكن الواقع خلاف ذلك للأسف الشديد.
وحين يتأمل المتأمل في أسباب ذلك قد ينقدح في ذهنه عدة أسباب لهذا التباطؤ فقد يعلل ذلك بعدم ادراك أهمية الجمعية وضعف القناعة بأثرها ومهمتها، غير أن هذا السبب لا يتفق مع المستوى العلمي الذي يتبوأه المعنيون بهذا الأمر، فهم أساتذة أو قضاة أو مستشارون لهم خبرتهم وتجربتهم إلى جانب اطلاعهم على الواقع وما يستدعيه من حاجة ماسة إلى هذه الجمعية في ضوء التطور والتجدد في جوانب الحياة المختلفة وما تلقي به المدنية الحديثة والثقافات الأخرى من مشكلات تحتاج إلى بحث ونظر جماعي في سبل الحل الشرعي لها، ووضع البدائل لما لا يتفق مع الشريعة من المعاملات التي فرضتها ضرورة التواصل مع الآخر والتعامل معه وما يستدعيه ذلك من التأثير والتأثر به، وضرورة توحيد الجهود البحثية وتنظيمها.
وقد نعلل ذلك التباطؤ في الحصول على العضوية بانتظار ما تقدمه الجمعية من برامج ذات قيمة، وما يسفر عنه عمل مجلس الإدارة خلال السنة الأولى من تشكيله.
وهذه العلة أيضاً ليست منطقية ولا مقنعة، لعدة أسباب أهمها أن مجلس الإدارة لا يمكن أن ينهض بأعمال الجمعية أو يحقق أهدافها دون تعاون من الأعضاء العاملين في الجمعية ودعم مادي ومعنوي منهم ومن أعضاء الشرف من الموسرين في المجتمع. فإذا كان الأعضاء ينتظرون ما يفعله مجلس الإدارة، والمجلس ينتظر دعمهم المعنوي والمادي ليبني خططه المستقبلية على ذلك، فسيبقى عملنا يدور في حلقة مفرغة ويتعطل انطلاق الجمعية في ممارسة مهامها وأنشطتها على الوجه المرضي وأيضا فإن مجلس الإدارة ربما يمضي السنة الأولى كلها في رسم سياسة الجمعية ووضع لوائحها الداخلية وأنظمتها التي تكفل سير العمل على أكمل وجه، ولن تكون له أنشطة ظاهرة للجمهور، فهل من الحكمة أن يتوقف المهتمون بتخصص الجمعية عن الدخول في العضوية حتى ينظروا في الأنشطة التي تنفذها الجمعية مع ادراكهم ان العمل في تنفيذ الأنشطة متوقف على حجم مشاركتهم، وأن مجلس الادارة لا يمكن أن يضع خطة عمل ليس لديه القدرة البشرية والمادية على تنفيذها، وأن مايصنعه من خطط يحتاج إلى عرضه على الجمعية العمومية قبل الشروع في تنفيذه.
وإذا تجاوزنا قلة الأعضاء العاملين المنتمين فعلاً للجمعية نجد أن من أهم التحديات التي تواجه الجمعية كثرة الآمال التي يعلقها أصحاب التخصص على هذه الجمعية مقارنة بغيرها من الجمعيات، فعلى صعيد خدمة التراث الفقهي نجد كماً هائلاً من كتب الفقه وأصوله مازال مخطوطا أو في حكم المخطوط، حيث حقق في رسائل علمية أو غيرها وبقي حبيس الأدراج ولم يطبع، أو طبع طباعة تجارية سيئة مليئة بالأخطاء والتحريفات والسقط مع عدم العناية بالفهرسة التي تسهل الإفادة منه.
وعلى صعيد دراسة النوازل الفقهية - وهي في نظري أولى بالاهتمام - نجد كثيراً من القضايا المعاصرة التي لم تنل حظها من البحث الجاد القائم على النظر في مصادر التشريع الأصيلة وفق قواعد أصول الفقه والوقوف على ما يكتنف هذه الواقعة وما يترتب عليها في ضوء قاعدة المصالحة والمفاسد بعيداً عن التأثر بالمذهبية الضيقة، أو الاكتفاء بتخريج الواقعة على ما يشبهها، مع اختلاف العصر وما يستتبعه من اختلاف في أسباب الواقعة، وما تؤول إليه، ومدى الحاجة إليها ووجود البدائل، وكفايتها.
وإذا عرفنا ان المملكة أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الدخول في منظمة التجارة العالمية فإن الشعور بأهمية وجود مؤسسات بحثية متعددة يزداد، نظراً لما يترتب على التوقيع على تلك الاتفاقيات من تشابك في المصالح مع كافة الشعوب والأنظمة مما يضطرنا إلى ايجاد الحكم الشرعي لما يجد من عقود أو شروط وايجاد البديل المناسب لما يحرمه الشرع منها قبل الدخول فيها، ذلك ان البحث في شيء من المعاملات بعد الدخول فيها قد يضطرنا إلى التنازل عن شيء من حقوقنا تأثما وتدينا، وقد يشق الوصول إلى حل عادل لا يترتب عليه ضرر بأحد الطرفين، ولو كان البحث في الحكم سابقاً للشروع لكان الحل سهلاً وميسراً.
وقد يظن البعض ان عمل الجمعية في هذا المجال يمكن ان تقوم به بعض المؤسسات القائمة كهيئة كبار العلماء والجامعات ومراكز البحث العلمي. وفي تقديري ان ساحة العمل واسعة وان عمل الجمعية لا يتصادم مع عمل تلك المؤسسات، بل هو متمم له ومكمل. وإذا أدركنا حجم العمل وأدرنا انظمة المؤسسات الرسمية نجد أن هيئة كبار العلماء لا يمكنها أن تنظر في كل قضية أو واقعة من تلك الوقائع وإنما يحصر نظرها فيما يحال إليها، ولو أحيلت إلى الهيئة كل واقعة لاحتاج النظر فيها إلى زمن طويل.
وإذا نظرنا إلى الجامعات نجد أغلب البحوث التي تتم فيها إنما تتم ضمن رسائل الماجستير والدكتوراه والطالب حينما يختار بحثه لنيل الدرجة العلمية يبحث - غالبا - عن البحث الذي توافرت مصادره وسهل طريق الوصول إليها حتى لا يتعثر ويقف في منتصف الطريق ثم ان الاجراءات النظامية التي تسبق تسجيل الموضوع تدفع الطالب إلى هذا الاتجاه! هذا بالإضافة إلى أن الأنظمة الجامعية تجعل موقف الطالب هو الأضعف دائما فربما ردت رسالة الطالب لكونها لم توافق ما يراه الفاحصون أو بعضهم وربما طلب منه تعديل بعض مباحثها وفقا لما يقترحه بعض الفاحصين. وهو بهذا يختلف عن الباحث بحثاً حراً ليس ملزماً برأي أحد ولا بمذهب معين.
أما مراكز البحث العلمي في بلادنا فهي مع قلتها ليس فيها - فيما أعلم - مركز متخصص في دراسة النوازل المعاصرة، ولو وجد فلن يتسنى له ان يستقطب من الكفايات العلمية ما يمكن أن تنتظمه الجمعية من المتخصصين، بالإضافة إلى اتساع مجالات البحث لكل الجهود البحثية كما ذكر آنفاً.
وفي مجال عقد المؤتمرات والندوات العلمية المتخصصة ينتظر المهتمون بهذا التخصص ان تقوم الجمعية بعقد اللقاءات والندوات المحلية والاقليمية والعالمية لما في ذلك من الاطلاع على ما لدى المتخصصين داخل المملكة وخارجها من الأبحاث والدراسات التي سوف تسهم في صقل الوعي المعرفي لدى باحثينا وتطوير أدوات البحث ووسائله وشحذ الهمم مما يتوقع ان ينتج عنه التواصل العلمي المثمر. ولكن سيبقى ذلك في حيز الأماني ما لم يتم تضافر الجهود بين أعضاء الجمعية والمهتمين بالبحث العلمي إعداداً ومشاركة من جهة، وبين رجال الأعمال والقطاع الخاص رعاية ودعماً من جهة ثانية، وبين المسؤولين عن تسهيل عقد تلك المؤتمرات والندوات تشجيعا وتيسيرا للمشاركة فيها من المتخصصين من خارج المملكة من جهة ثالثة.
وليس بخاف على المتابع للشأن الثقافي في بلادنا ما تحتاجه مثل تلك الندوات والمؤتمرات من إمكانات بشرية ومادية، وبخاصة أننا قد تعودنا في مؤتمراتنا على ما يتجاوز كرم الضيافة إلى حد الإسراف، حتى أصبح المؤتمر أو الندوة تزيد تكلفته المادية على تكلفة عشرات المؤتمرات عند غيرنا، فيشغلنا ذلك عن الإفادة العلمية التي هي الهدف الأساس من عقد الندوة أو المؤتمر العلمي.
ولعل الاخوة الزملاء في مجلس الإدارة يسنون سنة حسنة بالاقتصاد في تقدير تكلفة المؤتمرات والندوات حتى لا تلتهم ميزانية الجمعية الوليدة الناشئة فيزيد الغرم على الغنم، ولعل القطاع الخاص يتبنى رعاية بعض تلك المؤتمرات حتى تتمكن الجمعية من الوقوف على قدميها وخدمة الأهداف التي انشئت من أجلها. ونسأل الله أن يحسن لنا الأعمال والنيات إنه ولي ذلك والقادر عليه.

عضو مجلس إدارة الجمعية الفقهية السعودية


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved