أعادت مجلة (الفيصل) إلى ذاكرتي موضوعاً سبق أن طرحته جريدة (الجزيرة) قبل سنوات قليلة يتعلق برسم الأرقام التي نستخدمها الآن في حياتنا، ولكن قبل أن أتجه إلى موضوعي أحب أن أعبّر عن امتناني لمجلة (الفيصل) التي أصبحت جزءاً من مصادر المعرفة والمتعة التي أتلقاها كلّ شهر. يعود الفضل في ذلك إلى كلٍّ من الدكتور يحيى بن جنيد رئيس التحرير والأستاذ عبد الله الكويليت مدير التحرير اللذين حوّلاها من مجلة مضطربة الهويّة إلى مجلة معرفية مقروءة من الجميع.
في مقال نُشر في هذه المجلة كتبه هزاع بن عيد الشمري يعيد الكاتب طرح إشكالية رسم الأرقام: هل هذه الأرقام التي نستخدمها في المملكة، وفي كثير من البلاد العربية، هي الأرقام العربية فعلاً أم أنها هندية الأصل؟ هناك خلاف أكاديميّ بين الباحثين حول هذه الأرقام. الأكاديميون في المغرب العربيّ يصرّون على أن الأرقام المسمّاة عربية (1234) والتي يستخدمها الغرب ومعظم دول العالم هي الأرقام العربية الصحيحة.
وهذا جدل لم ينتهِ بعدُ، ولا أظن أنه سينتهي حتى فجر يوم الدين. أتذكر أن جريدتنا هذه طرحت الموضوع بشكل موسّع. لا أعتقد أن مطبوعةً سيارةً يمكن أن تقدمه بالشكل التفصيليّ الذي قدمته هذه الجريدة. وقد انتهى الباحثون - كما جرت العادة - إلى أن كل باحث احتفظ برأيه وأصرّ عليه. هذه القضية تشير - على الأقل بالنسبة لي - إلى شيء مهمّ وخطير، وهو أننا دائماً نتوقف عند المرحلة النظرية، ولا نعرف ماذا نفعل بعد ذلك. ننتظر قراراً أبوياً سياسياً لحلّ الجدل.
تحولت هذه القضية إلى لعبة ذهنية ثقافية يتسلى بها الأكاديميون أمام الجماهير وفي مجالسهم الخاصة. في كلّ المقالات والدراسات التي قرأتها في هذا الموضوع لم يطرح أيّ باحث حتى الآن السؤال العملي التالي: أيهما أصلح لنا في تعاملاتنا الحالية: الأرقام المسمّاة العربية أم الأرقام المسمّاة الهندية بغض النظر عن أصل أيّ منهما؟ فنحن لا نبحث في علم الأنساب، نحن نبحث في قضية تهمّنا اقتصادياً وعملياً: كم تكلفنا هذه الأرقام التي نستخدمها الآن، وكم سندفع لو أننا قررنا الانتقال إلى استخدام الأرقام الأخرى؟ ما الفرق العمليّ بين الرسميْن؟ أي أن ننتزع هذه القضية من أيدي الباحثين التاريخيين واللغويين، وننقلها إلى أصحابها الحقيقيين، وهم التربويون والاقتصاديون والتقنيون. فلوحة المفاتيح التي أستخدمها الآن تحتوي على الرسمين لزوم الحاجة. فهناك أوقات لا يمكن أن أستخدم فيها الرسم الهندي فأضطر إلى تحويل اتجاه لوحة المفاتيح؛ حتى أتمكن من استخدام الرسم العربي. لماذا نغيّب الجانب العملي والمصلحي من أبحاثنا ودراساتنا؟ لماذا لا نقفز على الجانب النظري ونقرّ أن كلا الرسمين عربي، أو أن كلا الرسمين أجنبي مستورد، أو أن كلا الرسمين هبط من السماء، ثم نترك أصحاب الشأن الحقيقيين يقررون؛ بناءً على المصلحة الوطنية والقومية: أيهما الأفضل لنا من الناحية الاقتصادية، ومن الناحية التقنية، ومن الناحية العملية؟
على فكرة.. عندما أطرح قضية الأرقام فأنا أطرحها كمثال فقط؛ لأن حياتنا وأوقاتنا ضاعت في الجدل الأيديولوجي المغلف بغلالة أكاديمية. خذ أمثلة: الجدل حول التربية البدنية للبنات، تعليم اللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية، سياقة المرأة السيارات.. إلخ إلخ إلخ.
فاكس 4702164
|