من سمات كثير من الاقتصاديين، ما يمكن أن يسمى بالنظرة الاقتصادية للأشياء، فهم لا يتصورون شيئاً أو حدثاً جانباً من جوانب الحياة إلا وله بعد اقتصادي عرفه من عرفه وجهله من جهله، ولذا فإنهم في سعي دائم لدراسة الظواهر الإنسانية والبحث عن الأبعاد الاقتصادية لها، ويأتي العنف والنزاع المسلح والإرهاب كأحد هذه الظواهر، والتي يتأملها الاقتصاديون بعيون اقتصادية آملين للتوصل إلى معرفة أسبابها وآثارها الاقتصادية.
ويكون الاقتصاديون عمليين عندما يؤكدون على أن التعرف على الأسباب ربما يسهم في الحد من نشوء النزاعات بماهيتها عند حدوث هذه المشاكل وبالتالي اتخاذ الإجراءات القادرة على التخفيف من آثارها السلبية ولا يكتفي الاقتصاديون كعادتهم بترديد الآثار صباح مساء بدون أن يؤكدوا على أن التعامل معها ينبغي أن ينطلق من كونها أصبحت واقعاً معاشاً أو أنها ستكون كذلك في المستقبل القريب، فالشيء وآثاره متلازمان يصعب الفصل بينهما.
وفي هذا الإطار نشر عدد من الدراسات والأبحاث التي طورت نماذج معينة لتقدير حجم التكلفة الاقتصادية للإرهاب والنزاعات المسلحة التي تتحملها المجتمعات .
ومن ذلك قدّرت بعض الدراسات تكلفة النزاع المسلح وأعمال العنف في سريلانكا خلال المدة من 1983م إلى 1988م بما يقارب (2.4) مليار دولار أمريكي وهو ما يوازي 68% من الناتج المحلي السريلانكي في عام 1988م. وفي دراسة أخرى قدرت تكلفة الصراع في سريلانكا بين عامي 1983م و1996م بما يوازي ضعف الناتج المحلي الإجمالي لعام 1996م. وتوصلت دراسة حول الآثار الاقتصادية للعنف في مجموعة من الدول إلى أن الدخل الشخصي في إقليم الباسك الأسباني انخفض بنسبة 10% بسبب أعمال العنف وتتوقع أن تكون أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد أدت إلى خفض مستوى المعيشة على مستوى العالم بما مقداره (75) مليار دولار بسبب زيادة الاحتياطات الأمنية فقط ، كما أدت أعمال الإرهاب والعنف في دول أخرى إلى انخفاض أعداد السياح وتدني مستوى التبادل التجاري مع بقية دول العالم، وقد أدت الأعمال الإرهابية والتهديد بشنها إلى ارتفاع تكاليف إتمام المبادلات المالية والتجارية، ليس هذا فحسب بل إن انتهاج إجراءات أمنية اكثر تشدداً لمواجهة العنف والإرهاب أثر بشكل واضح على انسياب السلع والخدمات بين الدول وأضرت بالهياكل الإنتاجية في بعض الدول.
وعلى هذا فإن أعمال العنف والإرهاب ليست وحدها مكلفة، بل وأيضاً الإجراءات التي تتبع للحد منها حتى ولو لم تحدث أعمال عنف أو إرهاب جديدة ولذا فلا غرابة أن ينادي البعض من هذا المنطلق بعلاج الأسباب الداعية للعنف والإرهاب منعاً لحدوثه إبتداء لأن ذلك سيكون أقل تكلفة ولأن الأوضاع - متى بدأت بوادر العنف في المجتمع في الظهور- فإنها لن تعود إلى سابق عهدها مرة أخرى وبالتالي فإن الأفضل هو منعها من الظهور.
والخيار الثاني هو التعامل مع وضع جديد في حال ظهورها والسعي الجاد لتلافي أسبابها مستقبلاً آخذاً في الاعتبار أن العودة إلى الوضع القديم ربما تكون شبه مستحيلة.
|