« الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك»
مقولة بسيطة كنا نرددها ومازلنا، ونلقنها لغيرنا كما لُقنت لنا، ولكن هل ندرك نحن في العالم العربي فحوى مثل هذه المقولة؟
من واقع حياتنا، ومن إنتاجنا، تأتي الإجابة بأن قيمة إنتاج الفرد على مستواه الشخصي مقارنة بمساحة الوقت الممنوحة له والتي يمكن أن تستغل تأتي متدنية جداً.
في المقابل نجد معظم الغربيين لم يتركوا ثانية من حياتهم دونما استثمار، استثمار معرفي أو مادي، وهم بذلك يحققون معنى الحياة الفاعلة والمثمرة.
كشاهد تاريخي على قيمة الوقت المتأصلة عند الغربيين، يكفي للدلالة الاطلاع على كتب الرحالة الأجانب والمقيمين السياسيين وموظفي أية دولة أجنبية في المنطقة العربية، فقد جاءت كتبهم زاخرة بمعلومات هائلة ودقيقة تحوي رصدا لكافة مناحي الحياة العربية. وفي هذا الصدد أشير إلى ما كتبه « ديكسون » خلال فترة عمله في الخليج العربي كوكيل ثم معتمد سياسي في الكويت، علاوة على قيامه بمهام أخرى في المنطقة، فقد أفرزت حياة « ديكسون » العملية كتبا عديدة من أشهرها على الأطلاق: (الكويت وجيرانها) و(عرب الصحراء).
في الكتابين يذهلك كم المعلومات الاجتماعية عن المجتمع والفرد في الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية سواء المدني منه أو البدوي، وهي على الرغم من أنها معلومات معروفة لقارئها إلا أن قيمة توثيقها على هذا النحو أعطت لها بعداً تاريخياً ورصداً معرفيا مهماً، فديكسون لم يكتفِ بتسجيل ما يخص مهام عمله بل إنه قدم وصفاً لحياة العائلة البدوية اليومية من خلال المشاهدة والمعايشة الفعلية وكان هو وأسرته يستغلون الوقت في عمل آخر: (ففي هذه المخيمات كانت زوجتي وابنتي تلهوان بجمع الأزهار البرية لأجل (حدائق كيو) في لندن، والحشرات لمتحف التاريخ الطبيعي في (كينسينغتون الجنوبية) أما أنا فأقوم بأعمال تخدم مهنتي كالاتصال بالشيوخ في الجوار).
ويوضح « ديكسون » أن الوصف الذي قدمه في كتابه (عرب الصحراء) كان يعتمد على (التجربة الفعلية والمراقبة عن كثب وقد عزز ملاحظاتي أحياناً بطرح الأسئلة، وكانت أنسب الفرص لطرح مثل هذه الأسئلة هي عند تحلقنا حول نار الخيمة، فعندما تدور القهوة على الحاضرين من رجال ونساء وأطفال في خيمتنا يتبادل هؤلاء سرد أخبار الغزوات والغارات وتوقعاتهم عن المطر والمراعي وأمراض الماشية وما إلى ذلك بالإضافة إلى الإجابة عن أسئلة حول مئات الموضوعات).
وهنا نتساءل: كم من الوقة قضى« ديكسون » وهو يرصد ويتابع كل ما حوله دقيقة بدقيقة في بعض الأحيان بحيث نشعر أنه ما كان يتوقف عن العمل إلا عند النوم؟
الإجابة في الأسبوع المقبل - إن شاء الله.
|