قلة من الفنانين تستطيع أن تقول (ان في وجههم القبول!) ومن هؤلاء، الفنان (أحمد زكي)، فهذا الفنان الأسمر الذي تجاوز الـ(50) عاماً بقليل، استطاع أن يدخل بيوت الناس من أبوابها، وليس من السطوح أو الشبابيك، ووجد في هذه البيوت ما يليق به من المودة، بدءاً من دوره المؤثر في مسرحية (مدرسة المشاغبين) وحتى أفلامه الأخيرة، التي قدمت لنا شخصية قادرة على القيام بالعديد من الأدوار بليونة ويسر، لقد أطلق بعض الكتاب عليه لقب (المشخصاتي)، وهو ذلك الشخص الذي يحسن تجسيد كافة الشخصيات، لأن أحمد زكي بدأ في السنوات الأخيرة، في انجاز أفلام ومسلسلات حول حياة أو فترة حكم جمال عبدالناصر وأنور السادات، وقبل ذلك كله طه حسين حين قدم (الأيام) في مسلسل تلفزيوني بالغ القوة والتأثير، جسد من خلاله رحلة طه حسين الطالب الصعيدي الكفيف من الصعيد وحتى أروقة الأزهر، هنا كان تأثيره بالغاً، وهو يؤدي دور الرجل الكفيف، أكثر من تقمصه لشخصيتي عبدالناصر والسادات، ففي حال هذين الرئيسين احتاج أحمد زكي إلى الكثير من الجهد، ليكون تجسيده للشخصيتين مقنعاً، سواء من الناحية البدنية، أو الناحية الصوتية، اضافة إلى نقطة مهمة يفضلها العديد من المخرجين، ولم تطبق في حال أحمد زكي, وهي أن يتولى تجسيد دور الشخصيات العامة والقادة المشهورين قديماً وحديثاً، ممثلين ليس لهم اسم رنان في عالم التمثيل حتى لايضفي ذلك ظلالاً، قد تتسبب في المقارنة بين الشخصيتين، وأقرب الأمثلة لدينا شخصية الحجاج التي قام بها باقتدار ممثل شاب. كان من الممكن أن يقوم بدور السادات أو عبدالناصر ممثل غير أحمد زكي، وكان من الممكن، وليس ذلك انتقاصاً منه، أن يقوم بدور في نفس هذين الشريطين غير دور البطل، هذا ربما أقنعنا أكثر، مع علمي أن دوراً مثل دوره في (أنا لا أكذب ولكنني أتجمل) أو دوره في (البريء) كان أكثر تأثيراً، من شريطي عبدالناصر وأنور السادات!
إن أحمد زكي فنان بالغ الحساسية والمزاجية الهادئة أحياناً والعاصفة أكثر الأحيان، إلا أن (أحمد زكي) ظل محبوباً من الجميع، قريباً إليهم في السينما والتلفزيون والحياة العامة.. وهذه تعكس معادلاً موضوعياً، لشخص عانى في بداياته الفنية من التهميش، حتى أن شريطاً مهماً مثل (الكرنك) ذهب إلى نور الشريف بعد أن تعاقد على القيام به، وكان هذا التهميش يتحصن دائماً خلف لون البشرة، هذه البشرة التي جعلت الممثلين أو المشخصاتية العرب من ذوي البشرة السمراء، أندر في سوقنا من الكبريت الأصفر، مع أن من هؤلاء من ترك بصمة قوية مثل علي الكسار، الذي لم يكن يحسن القراءة والكتابة، ومع ذلك فإن أفلامه تشاهد بنفس المتعة منذ أكثر من نصف قرن!
كم ممثلاً أو مغنياً أسمر البشرة كان ضحية للونه، قبل أن يكون ضحية لفقر موهبته.. لقد كان أحمد زكي بعيداً عن الصراعات التي تدور في الوسط الفني، كان همه منذ أن أطلق عليه لقب (الفتى الشاعر) في مدرسة المشاغبين، أن يثبت قدميه على الساحة الفنية، فبرز ممثلاً كوميدياً ومهرجاً وسياسياً ومؤدياً ودرامياً، لكن مجالاً واحداً بدأ فيه ولم يواصله وهو المسرح، رغم أنه قدم فيه أول إداروه القوية في مدرسة المشاغبين، ثم دوره في (العيال كبرت) إلى جانب حسن مصطفى وسعيد صالح ويونس شلبي، وكان بين هولاء أستاذاً..
ادعوا معنا لأحمد زكي النمر الأسمر، الذي اقتحم الغابة فاحترمه أسودها، ودخل البيوت ودور السينما فاحترمه روادها، فقد كان نظيفاً ومؤثراً في كل درب سلكها من دروب الفن الوعرة!
فاكس: 4533173 |