Tuesday 2nd March,200411478العددالثلاثاء 11 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من بقايا الأمس من بقايا الأمس
وفاء الكلب أيقظ ضمير الرجل
قباس عرف الخاطف فأعاد الإبل

جاء فصل الشتاء وهطلت الأمطار على أراضي قبيلة عنزة واكتست الأرض زخرفها من الورود ذات الألوان المتعددة الأشكال وبات الاخضرار الطابع الذي يكسو جبالها ووهادها وغردت الطيور بألحانها فرحاً وزهواً بجمال الطبيعة الخلاب.
وقدم للأرض المخصبة أصنافاً من البشر بما يملكون من ماشية وكان من ضمن هؤولاء رجل من قبيلة شمر فاتنى اسمه اختار جوار أحد رجالات قبيلة عنيزة وربما لمعرفة سابقة ومرت الأيام وانقضى فصل الربيع وتحتم على الجميع الرحيل لمورد المياه لسقيا مواشيهم كل منهم على موارد قبيلته وفضل الشمري البقاء بأراضي قبيلة عنزة الى جانب جاره وربطت بينهما الجيرة برباط الألفة والتقدير اللامتناهي.
واستمرا بجيرتهما لعدة سنوات لم يفارق أحدها الآخر في أي فصل من فوصل السنة ولكن الغربة عن مواطن القبيلة هذه المدة الطويلة فرضت على الشمري الحنين لمرابع قومه مما حدا به أن يستأذن جاره بالرحيل الذي بدوره رضخ للأمر الواقع وأذن له فرحل الشمري الى مواطن قبيلته، وكان ذلك الوقت وقت غارات وسلب ونهب اذ لا محكوم يخضع لحاكم ولا حاكم يستطيع أن يفرض سلطانه على محكومه اللهم إلا شيوخ القبائل الذين يرون في وسيلة السلب والنهب من مواشي الآخرين مفخرة لهم ورافدا من روافد اقتصاد القبيلة فالقبائل كلها تغير على بعضها البعض وكاسب اليوم مكسوب الغد وهكذا دواليك مرة لك وأخرى عليك.
عكس ما ننعم به اليوم من أمن وارف الظلال ورخاء شامل وصفاء القلوب نتيجة لتوحيد كلمتنا وجمع صفنا تحت راية واحدة وعقيدة واحدة قوامها الإسلام وشريعتها شريعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وركيزتها هذه الحكومة التي ساوت بين الحاكم والمحكوم في ظل هذه الشريعة السمحة.
أعود لقصتنا ففي غضون تلك الظروف غير المستقرة انطلق الشمري يرافقه أحد أقاربه قاصدين مضارب قبيلة عنزة للكسب من مواشيهم لأنها القبيلة الموالية لمرابع قبيلتهما ولأن أعراف القبيلة السائدة تجيز لهم ذلك.
وما أن وصلا لأراضي القبيلة التي يقصدانها حتى اختفيا عن الانظار في مكمن من مكامن الارض خشية ان يراهما أحد يفسد خطتهما، وترقبا لحلول وقت الظلام لتحين ساعة الصفر بالنسبة لهما لانقضاضهما على الماشية التي أتيا من أجلها وانقضت فترة النهار وأرخى الليل سدوله على الكون وانقضا، على أقرب البيوت الموالية لمخبئهما وشرعا في اطلاق عقل الإبل واستاقاها أمامهما، وفيما هما يدفعانها أمامهما اذ بكلب صاحب البيت ينتبه لهما وينطلق نحوهما مدافعا عن إبل صاحبه ومنبها له ولكنه عندما لحق بهما - اعني الكلب- تحول نباحه الى همهمة يعرف من ورائها الترحيب بهما والعزوف عن مشاكستهما فتعجب الرجلان من ذلك الكلب الذي تحول من عدو الى صديق بمجرد وصوله اليهما فصار كل منهما يحدق بالكلب ويستعيد ذكرياته عسى ان يعرف لمن يكون هذا الكلب، ويستعيد ذكرياته عسى ان يعرف لمن يكون هذا الكلب، ولم يمر وقت طويل حتى عرف جار العنزي انه كلب جاره الذي جاوره لمدة سبع سنوات وافترق عنه منذ سنتين فقال لصحابه انه كلب جاري فلان العنزي ولن يكون الكلب أطيب معرفة مني ولكن عد بالأبل الى صاحبها، انها لم تقسم لنا، فعادا بها واناخاها في مكانها.
وندب صاحب البيت الذي استقيظ من نومه ورحب بهما واكرمهما واخبراه ما جرى فأنشد يقول:


اليوم لو عديت في رأس نابي
كني وحيدين ما لقى حوله اوناس
أخذت سبع سنين عند الركابي
امشى عزيز بينهم رافع الراس
وعقبه طلبنا ربعنا بالوجابي
ورحنا على حسب العوايد والاجناس
وغاروا علينا للطمع والكسابي
ومن حشمتى استرجع الذود قباس

وقباس اسم كلبه الذي أعاد الذود من خاطفيه بواسطة معرفته السابقة للخاطف وتقدير الخاطف للمخطوف.
المرجع
حكايات من الماضي لمحمد بن زبن بن عمير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved