في المرحلة الثانوية تساوت الفرص وتمايزت الجهود ..طالعتنا (الجزيرة) المتوثبة بقيادة الأستاذ خالد المالك بتحقيق ماتع حول الهموم التعليمية والتربوية المتمثلة بتفضيل كثير من المعلمين العمل في المرحلة الابتدائية والمتوسطة وبالتالي هجر المرحلة الثانوية وما ينتظم العمل فيها من صعوبات لا تخفى.
لتتخيل أنك في سباق رياضي للسيارات، وتعلم أنك ستصل في وقت محدد إلى نهاية السباق، فمن يمشي بسرعة 100 كلم ومن يمشي بسرعة 40 كلم، كلاهما سيصل في الوقت نفسه، فالسائق المحترف يتساوى مع السائق الكسول الذي لا يجيد فن القيادة!! ضع نفسك مكان هذا السائق المجتهد وأخبرني ما شعورك حيال ما ترى؟؟ هذا هو واقع التعليم في المرحلة الثانوية وما يكتنف العمل فيها من خصائص اختصت بها هذه المرحلة دون غيرها. فعلى كثرة ما يوجد من صعوبات في المرحلة الثانوية إلا أن الحوافز بكافة أشكالها تكاد تكون معدومة!!
إن التحقيق الذي أعده الأستاذ منيف خضير وهو أحد رجال التربية القديرين، وشارك فيه نخبة من مديري المدارس والمعنيين بحال التربية. حفل بكثير من النقاط المهمة ووجهات النظر التي غلب على بعضها الرؤية المجتزأة لواقع شمولي لا يؤمن بأنصاف الحلول.
ابتداء، فإن إجماعا منعقداً على أن ثمة مشكلة موجودة، وبالتالي لا بد من تصور أبعاد هذه المشكلة تصورا دقيقا، (فالحل فرع عن تصور المشكلة). لا ريب في أن العمل بالمرحلة الثانوية يحتاج إلى مجهود أوسع وإلى مواصفات (كارزماتية) قد لا تتوفر لكل أحد من الناس. ولكن حتى من يملكون المؤهلات المطلوبة للعمل في الثانوية فإنهم يفرون منها إلى واقع أخف يتوفر فيه ما يتوفر لمعلم الثانوية من ميزات ومخصصات مع بون شاسع في الجهد المبذول.
إنصافاً، ما الذي يجعل معلما يعمل في الثانوية بكل ما فيها من مجاهيد وهو يرى زميله في المرحلة الابتدائية والمتوسطة يعمل بمجهود أقل وبوقت أقصر ويتساويان في الأمور المادية.
سأسوق بعض النقاط التي من الممكن الأخذ بها ومحاولة دراستها لإيجاد حلول لهذه المشكلة التي تؤرق كثيرا من قيادات التربية والتعليم...
1- ما ذكره الأستاذ خالد الخضيري حول ضرورة وضع مكافأة مالية لمن يعمل في الثانوية هو أحد الحلول المهمة، فلو وضعت مكافأة مادية سيشعر المعلم بأن ثمة من يقدّر ما يفعله وما يتحمله من مشاق في مرحلة تميزت بالصعوبة نظرا للتغيرات التي تطرأ على الطلاب بحكم نموهم المعرفي والنفسي والفسيولوجي.
2- النصاب المرهق هو أحد أوجه المشكلة، فنصاب (24) حصة يعد كارثة بالنسبة للمرحلة الثانوية، إذا أردنا أن ينتج المعلم، فهذا النصاب الكارثي لا يدع مجالا للمعلم كي يلتقط أنفاسه، فكيف سيبدع وينتج وهو يلهث ما بين الفصول حتى ينتهي به اليوم الدراسي، ويمضي على هذا الطريق وهو أشبه ما يكون بالروبوت الآلي يعمل آليا منزوعا من المشاعر والأحاسيس. مع الأخذ بعين الاعتبار أن الحصة الواحدة في المرحلة الثانوية تكاد تساوي حصتين أو ثلاث في المرحلة الابتدائية أو المتوسطة. فالرأي كما ذكره الأستاذ الخضيري هو ألا يزيد نصاب المعلم في المرحلة الثانوية عن (18) حصة، مع السعي لتقليله قدر المستطاع.
3- ما لاحظه الأستاذ فيصل جزاع الشمري من أن العمل في المرحلة الثانوية يحتاج إلى مواصفات خاصة ومهارات ينبغي توفرها في معلم هذه المرحلة صحيح ولا غبار عليه، ولكن ها هنا أمور: لماذا كثير من المعلمين الذين تتوفر فيهم تلك المواصفات يهربون إلى الابتدائية؟ ولماذا كثير ممن يعملون الآن في المرحلة الثانوية يودون لو تيسرت لهم الفرصة للانتقال إلى الابتدائية؟ بظني أن المواصفات الخاصة (الكاريزما) هي أحد نواتج المشكلة وليست سببا فيها.
4- مطلوب الاقتصار على المرحلة الثانوية في الترشيحات والإيفاد وما إلى ذلك، وإن كان هذا المطلب يكاد يكون مستحيلا تنفيذه بشكل حرفي، إلا أن ما لا يدرك جله لا يترك كله.
وإني إذ أكتب عن هذا الواقع لا يغيب عني توجيه رسالة إلى زملائي معلمي الثانويات، وأقول لهم بأن كل الحق معهم في طلب الراحة وترك العمل في المرحلة الثانوية، ولكن تذكروا أنكم في هذا العمل الجليل إنما أنتم مجاهدون، أنتم بمثابة شموع تحترق من أجل أن تضيء للآخرين ظلامهم! فاحتسبوا الأجر عند من لا تضيع ودائعه. وفي الختام لا يغيب عنا التنبيه بأن المشكلة أوسع من أن تعالج - شمولياً - في هذه العجالة، فمثل هذه القضايا التربوية والاجتماعية تُعنى بها مراكز الأبحاث ومفكرون اجتماعيون وتربويون انتدبوا أنفسهم لمثل ذلك، وهذا ما نلحظه في الدول الغربية التي تؤمن بالبحث العلمي وتفرّغ له الطاقات البحثية والعلمية، ولكن حسبنا أن نلقي بعض الحجر في مياه راكدة منذ أمد بعيد خشية أن تأسن وتصبح غير صالحة للشرب!!
فهد بن الراوي العنزي
ثانوية الحسن البصري برفحاء |