كانت تلك هي إحدى ألعاب الطفولة الممتعة، حيث نجلس كأطفال في حلقة ومن ثم يهمس أحد الأطفال بكلمة في أذن الذي يجاوره بصورة سريعة، ومن ثم ينقلها رفيقه إلى الذي يجاوره... كما سمعها أو التقطها، وهكذا تتداول الكلمة بين الصغار إلى أن تستدير وترجع إلى محطتها الأولى بشكل مخالف ومغاير تماماً لمصدرها الأول.
تلك اللعبة تلخص ببساطة أحد قوانين التواصل المهمة التي باتت تدرس كبدهية مهمة في فنون التواصل.
فأنت كناقل للمعلومة أو مصدر لها لا تستطيع أن تسيطر على الأشكال التي تتحول وتذهب إليها تلك المعلومة، فهي تتخذ شكل الإناء الذي تصب فيه تماماً كالأواني المستطرقة، فإن صببت نظرية النسبية في أذن بائع سمك فسيعدها إحدى الطلاسم العجيبة والسحر الأسود الذي يحاول جاره أن يقضي به عليه.
وإن أنت هدرت بمعلقة الأعشى في أذن عجوز تعيش فوق سفح جبل مع غوينماتها: فستجد بأنها تشبه ثغاء شاتها العزيزة.
فالمعلومة تتدحرج وهي مثقلة بمحتواها ولكنها في نفس الوقت معتقلة بمحيطها، وجميع التحركات التي تتخذها الجهات المعنية على وجه المثال باتجاه تجديد المنهج المدرسي وتنقيته ووضع محركات نفاثة بين دفات الكتب هي بالتأكيد ستفسر على كونها ضغوطاً خارجية تتخذ شكل المؤامرة على الثوابت والمقدسات.
تفسيرات جاهزة تطلق بصورة مترصدة، قوالب معدة مسبقة يحشر بها كل مشروع تنويري نبيل، كلمات وجمل تنتزع من سياقها وأطرها التي ذكرت بها وتوظف بهدف تأكيد فكرة مسبقة معتقلة بداخل هاجس المؤامرة.
إن الذي يستمع لطبيعة التفسيرات والنقاشات التي تدور في المجتمع لا بد من أن يعي بأن هذا المجتمع يخضع لسطوة تليفون..... مكسر.........
لا يستمع فيه أحد إلى الآخر إطلاقاً.
|