قال الإمام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- كلمته الشهيرة التي أوضح فيها رسالته بإيجاز: (إن الموقف الذي أَقِفُهُ، والرسالة التي أدعو إليها كلَّ واحد، هي: لا إله إلا الله، وأركان الإسلام الأساسية لعمل الخير وترك الشر، فإن صبرتم على هذه الرسالة، وَثَبَتُّم عليها، فإن الله سبحانه وتعالى سينصركم على عدوِّكم).
هذه الكلمات الواضحة لا تحتاج إلى شرح، ولا تأويل وتفسير، ميسورة سهلة، ولكنها ذات دلالات عظيمة، وهل كان الإسلام إلاَّ دين يسر وسهولة ووضوح؟!
شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلاة، وصيام، وزكاة، وحج، أركان يقوم عليها الصرح الكبير، منها ينبثق عمل (الخير)، كل الخير، ومَن عَمِلَ الخير وتعلَّق به ترك الشر، كلَّ الشر، وإن وقع في شيء منه تذكَّر وتاب واستغفر، فعاد إلى الخير أقوى عزيمةً، وأكثر حرصاً.
هكذا أطلق الشيخ محمد بن عبدالوهاب دعوته، وأوضح رسالته، بعيداً عن المبالغة والتزويق والادِّعاء، فسَرَت سريان الخِصْب الرَّبيعي في عروق الأشجار، وأنقشت القلوب التي غُمِسَت في غفلتها وهواها زمناً ليس بالقصير؛ لأنها رسالة الإسلام التي تخاطب القلوب، وتوافق الفطرة السليمة التي فطر الله سبحانه وتعالى الناس عليها.
وأمام هذا الوضوح واليُسْر والسهولة تتهاوى كلُّ الأصوات المغرضة التي تتَّهم هذه الدعوة المباركة بما ليس فيها من التعصُّب الأعمى والغلوِّ، وادِّعاء مذهب جديد في الإسلام.
دعوة التوحيد أقرب الدعوات إلى القلوب، فلا نامت أعين المُرْجِفين، ولا سَلِمَت أقلام الذين يكتبون بغير دليل، أولئك الذين يتحدَّثون عن التعصُّب والمذهبية الضيِّقة والغلوِّ فيما يُسمَّى الحركة الوهابية، وهم بعيدون عن معرفة الحقيقة، يقرؤون عن (الوهَّابيَّة)، ولا يقرؤون كتب الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ولا يُتْعِبُون أنفسهم في الرجوع إلى المراجع الصحيحة التي تناولت تاريخ هذه الدعوة، وسجَّلت سيرة صاحبها، ورصدت أساليب انتشارها في العالم.
إنَّ نقص الاستقراء هو المشكلة الكبرى في ساحات العلم والثقافة والفكر، وكَمْ مِن رجل غيَّر رأيه من النقيض إلى النقيض بعد أن اطَّلع على الحقائق في موضوع من الموضوعات، أو قضية من القضايا.
وإذا كانت القاعدة الفقهية الصحيحة تقول: (الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوُّره)؛ فإن مشكلة كثير من الناس إنما تأتي من الحكم على الشيء قبل تصوُّره، وقبل معرفة حقيقته.
وليست القصة التي تُرْوَى عن الشيخ (عبدالله القرعاوي) حينما زار الهند إلا دليلاً واضحاً على خطورة نقص الاستقراء؛ حيث يُقال: إنه في زيارته للهند دخل مسجداً، وحضر درساً لإمامه بعد الصلاة، فسمعه يحذِّر الناس من خطورة مذهب جديد في الدين اسمه الوهابية، ظهر في نجد من الجزيرة العربية، وفيه خطورة على الإسلام والمسلمين. وكان مع القرعاوي كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبدالوهاب، فما كان منه إلا أن خلع الأوراق التي تحمل اسم المؤلف، وقدَّم الكتاب إلى الشيخ الهندي قائلاً: هذا كتاب وَجَدْتُهُ أحْبَبْتُ أن آخُذَ رأي الشيخ فيه، ورحَّب به الرجل. وحينما حضر المجلس في اليوم التالي سمع الشيخ الهندي يقول: هذا أخوكم من الجزيرة العربية، أعطاني هذا الكتاب، وقد رأيتُ فيه كتاباً واضحاً مختصراً في بيان عقيدة التوحيد الصحيحة، وقد اعتمدْتُه للقراءة والشرح. بعد الدرس سلَّم القرعاوي على الشيخ، وأعطاه الأوراق التي فيها اسم الشيخ محمد بن عبدالوهاب، فتحوَّل ذلك الرجل إلى داعية مخلص لعقيدة التوحيد الخالية من الشوائب.
هكذا ينتقل الإنسان من الموقف إلى نقيضه حينما يطَّلع على الحقيقة، والأصل ألاَّ يستعجل الإنسان في الحكم، وأن يتوخَّى الدِّقَّة فيما يُطلق من الآراء. وما قصَّة الطفيل بن عمرو الدَّوْسِيِّ رضي الله عنه عنَّا ببعيد؛ فقد وضع في أذنيه القطن حتى لا يسمع كلام السحر الخطير من محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، وفق ما تُرَوِّج له قريش، ثم لام نفسه على ذلك، واستمع إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فما سمع إلا كلام الحق، ودعوة الخير، فأسلم في مكانه.
كم من كاتب أو مثقَّف يضع في أذنيه ما هو أغلظ من القطن في زماننا هذا، فيضرب بأقواله مَيَامِن ومَيَاسِر مثيراً للفتن، مُرَوِّجاً للشُّبَه.
نحن لا نتعصَّب لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ولا ندعو إلى التعصُّب، وإنما ندافع عن حق واضح كالشمس.
إشارة
إِنَّهَا الْهِمَّةُ يَا أَعْدَاءَهَا
عَلَّمَتْ أَصْحَابَهَا مَا تَجْهَلُونْ |
|