يعاني عدد كبير من المواليد اصفرارا في الجلد او ما يعرف طبيا باليرقان، خلال الأسبوع الأول من الولادة دون ان ينتبه الآباء أو الأمهات لذلك، وهو ما يجعل هؤلاء المواليد عرضة لمضاعفات خطرة ما لم يتم العلاج في الوقت المناسب.. فما هو (اليرقان)، وأسباب حدوثه؟ ولماذا يصاب به الخدج بصورة أكبر من المواليد الطبيعيين؟
د. محمد أيمن قطاش أخصائي الأطفال بمستشفى الحمادي بالرياض يجيب عن هذه التساؤلات فيقول: يعتبر اليرقان أمراً شائعاً عند المواليد وفي معظم الحالات يكون سليماً، رغم ذلك فإن الحالات الشديدة غير المعالجة قد تكون ذات سمية عصبية، ويلاحظ حدوث اليرقان خلال الاسبوع الاول عند 60% من الولدان بتمام الحمل، و80% من الخدج، وينجم هذا اللون الاصفر عن تراكم صباغ البيلروبين غير المقترن (غير المباشر) المتشكل من الخضاب بفعل انزيم اوكسجيناز الهيم، ويعتبر الشكل غير المقترن ذا سمية عصبية عند الولدان بتراكيز معينة، اما البيلروبين المقترن فهو ليس ساماً عصبياً لكنه يشير إلى مشكلة جدية، وينجم فرط البيلروبين غير المباشر عن عدد من العوامل منها:
فاقات الدم الانحلالية، او قصر عمر الكريات الحمر عند الوليد (كريات حمرجينية) الأخماج، عوز بعض الانزيمات، الخداجة، الاضطرابات الصبغية، بعض الأدوية، الأوكسي توسين، ويزداد احتمال التأثيرات السمية للبيلروبين اللامباشر بسبب عوامل أخرى منها:
نقص بروتينات الدم - المخمصة والجوع - انخفاض الحرارة - الحماض العوامل التي تزيد من نفوذية الحاجز الوعائي الدماغي - نقص الأكسجة - التجفاف.
ويشير د. قطاش إلى أنواع اليرقانات عند المواليد، فيقول: أول هذه الانواع اليرقان الفيزيولوجي: وهو اصطباغ الجلد والملتحمة باللون الأصفر البرتقالي ويبدأ عادة في اليوم الثاني او الثالث للحياة أولاً بالوجه، ويمتد إلى البطن والأطراف ويمكن للضغط على الجلد ان يبين مدى امتداد اليرقان، تكون مستويات البيلروبين غير المباشر في الحبل السري 1-3مغ - د ل في الظروف الطبيعية عند الولادة وترتفع بمعدل اقل من 5 مغ - د ل - 24 ساعة وهكذا يصبح اليرقان مرئياً بقدوم اليوم الثاني او الثالث مع قمة الظهور بين اليومين 2 - 4 بمستوى 5 - 6 مغ - د ل ثم ينخفض تلقائياً وبدون أية معالجة ليصبح 2 مغ- دل اليوم الخامس والسابع وهذا اليرقان يعرف باليرقان الفسيولوجي (الطبيعي) وهو ناجم عن زيادة انتاج البيلروبين التالي لتحطم الكريات الحمراء الجنينية المتزامن مع القصور العابر في ضم البيلروبين الكبدي، ويتم التشخيص عادة بنفي الأسباب المعروفة لليرقان وبناء على القصة السريرية والموجودات المخبرية.
ويكون اليرقان مرضاً وغير فسيولوجي إذا ظهر خلال الـ24 ساعة الأولى للحياة، او في حالات ارتفاع البيلروبين بمعدل أسرع من 5 مغ - دل، كذلك إذا كان بيلروبين المصل 12 مغ - دل او 10 - 14 عند الخديج، وكذلك إذا استمر اليرقان لما بعد 10 - 14 يوماً، وارتفاع البيلروبين المباشر اكثر من 2 مغ - دل في أي وقت.
كما ان الضخامة الكبدية الطحالية وفشل المعالجة الضوئية ووجود قصة عائلية للداء الانحلالي من الأمور التي تقترح يرقان غير فسيولوجي ، كما يتطلب اليرقان الذي يظهر عند الولادة او خلال الـ24 ساعة الاولى دراسة وعناية خاصة لانه قد يكون ناجماً عن (نزف خفي - انتان خلقي - داء انحلالي - كثرة الأرومات الحمر الجنيني).
والنوع الثاني هو اليرقان المرافق للإرضاع الوالدي: ويصيب حوالي 2% من الرضع الذين يرضعون من امهاتهم بعد اليوم السابع للحياة فرط بيلروبين، حيث قد تصل تراكيز البيلروبين حتى 10 - 30د ل خلال الاسبوع الثاني والثالث في حال الاستمرار بالإرضاع الوالدي ويستمر حتى 3 -10 اسابيع ويعود السبب لاحتواء حليب الأم خميرة الغلوكورنيداز التي تكون مسؤولة عن اليرقان، والعلاج في هذه الحالة كما يقول د. قطاش يكون بإيقاف حليب الأم لمدة 24 - 48 ساعة واستبداله بمحضرات جاهزة معيضة يخفف سويات البيلروبين بسرعة وبعد ذلك يمكن استئناف الإرضاع الوالدي، الجدير بالذكر ان هذا النوع من اليرقان لايسبب أذية عصبية (يرقان نووي).
وثالث انواع المرض اليرقان العائد لنقص الوارد: ويتطور لدى 30% من ولدان الإرضاع الوالدي 12 مغ - دل في الاسبوع الأول للحياة وينجم عن نقص الوارد من الحليب والسوائل السكرية، ويساعد في انقاصه تكرار الوجبات اليومية من حليب الأم أكثر من عشر وجبات.
اما اليرقان النووي وهو أخطر انواع المرض: فهو متلازمة عصبية تنجم عن توضع البيلروبين اللامباشر في الخلايا الدماغية، وذلك عندما تجاوز مستويات البيلروبين اللامباشر سعة الالبومين والبروتينات الرابطة للبروتين، ويمكن للبيلروبين ان يدخل الدماغ بعد أذية الحاجز الوعائي الدماغي - الاختناق - فرط الازمولية - النزف ضمن البطينات - انحلال الدم، وكلما كان المولود اقل نضجاً ازدادت درجة استعداده للاصابة باليرقان النووي.
ويتم تشخيص اليرقان النووي عن طريق التظاهرات السريرية، يحث تظهر الأعراض عادة بعد الولادة بـ 2 - 5 أيام عند تامي الحمل وتتأخر إلىعدة ايام عند الخدج وتتظاهر بالوهن - ضعف الرضاعة - ونقص المنعكسات الذاتية - والتشنج الظهري - انتباج اليافوخ - وفي الحالات المتقدمة تحدث اختلاجات وتشنجات - يتوفى العديد من الأطفال الذين يصلون هذه المرحلة المتقدمة.
أما الناجون منهم فيكونوا متأذين بشدة وقد تظهر الأعراض بشكل متأخر في نهاية السنة الأولى ،وبعمر ثلاث سنوات تكون المتلازمة العصبية متكاملة وواضحة، والتي تتكون من حركات رقصية كنعية ثنائية الجانب مع تشنجات عضلية لاإرادية - علامات خارج هرمية واختلاجات قصور عقلي - رثة كلامية - نقص سمع - عدم تناسق عصبي عضلي.
وحول وسائل العلاج يقول د. محمد قطاش:
هدف المعالجة هو انقاص مستوى البيلروبين في الدم قبل أن يصل إلى مستويات السمية وذلك عن طريق المعالجة الضوئية. وفي حال عدم نجاحها يتم اللجوء إلى تبديل الدم، وفي المعالجة الضوئية يمتص البيلروبين الضوء بمدى (من 420 - 470 نانومتر) وتخفضه المعالجة الضوئية بمعدل 1 - 3 مغ - دل بعد 12 - 24 ساعة وذلك بتحويله إلى النظير المماكب الذي يطرح عن طريق الصفراء والمماثل التركيبي الذي يطرح عن طريق الكليتين، ويوضع منبع الضوء عادة على بعد 15 - 20 سم من الرضيع وتغطي العينان ومكان الحفاظ ويقلب الطفل بشكل متكرر لضمان تعرض الجزء الأكبر من الجلد إلى الضوء، وقد تتضمن الاختلاطات رخاوة البراز - طفح - حمى وتجفاف - اصطباغ الجلد (متلازمة الطفل البرونزي) ويعتبر وجود البروفيريا من مضادات الاستطباب.
ويعتبر تبديل الدم امرا حتمياً في حال فشل المعالجة الضوئية في انقاص المستويات العالية من البيلروبين وتعتمد هذه العملية ايضاً على العمر والوزن ودرجة نضج الطفل وعوامل الخطورة التي سبق ذكرها. وقد تستعمل المعالجة الضوئية الوقائية لفرط البيلروبين عند الوالدان ناقصي وزن الولادة وذوي الخطورة العالية، وهي ناجحة في انقاص مستوى البليروبين في الدم قبل أن يصل إلى الحد الذي يتطلب عملية تبديل الدم.
|