Monday 1st March,200411477العددالأثنين 10 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

بناء الامبراطورية بناء الامبراطورية
باسل سمير السويركي

تعتبر أزمة الخليج الأخيرة مؤشرا مهماً في التعرف على أسلوب استجابة الولايات المتحدة الأمريكية لمعطيات النظام العالمي الجديد. ومن الواضح أن كثافة الحشد العسكري في منطقة الخليج إنما هي دليل على أن الولايات المتحدة ما زالت ترى أن دورها في المسرح الدولي ما زال قائماً. ومما يؤكِّد ذلك أن الولايات المتحدة تخصص موارد ضخمة لتطوير قوتها العسكرية. وما كانت قواتها المقتدرة المرسلة إلى الخليج إلا مثالاً يوضِّح أن السياسة الخارجية الأمريكية تستخدم القوة العسكرية كأداة لتحقيق أهدافها. ويحدث هذا في ذات الوقت الذي تشهد فيه الأوضاع الاقتصادية المحلية في أمريكا تدهوراً مستمراً، مما دفع بعض الأمريكيين إلى المطالبة بتحويل جزء من الموارد المخصصة للعسكرية إلى تمويل إعادة بناء الاقتصاد الأمريكي.
لقد فسر الرئيس بوش ما حدث من حوله بأنه اعتداء على المصالح الحيوية الأمريكية وخاصة منطقة الخليج بضفتيه، وللعلم أن النظرة إلى منطقة الخليج كمنطقة نفوذ أمريكي قد استقرت كهدف أولي من أهداف السياسة الخارجية الأمريكية وذلك منذ الحرب العالمية الثانية والاسم الرسمي لهذه السياسة هو (الاحتواء CONTAINMENT) وقد صار مذهباً استراتيجياً تبنته الولايات المتحدة طوال مرحلة الحرب الباردة.
ويقوم هذا المبدأ على التسليم بوجود نظام دولي شرعي، وأن الولايات المتحدة مسؤولة عن المحافظة عليه. وقد أكَّد صانعو السياسة الامريكية بشكل مطرد استعدادهم لاستخدام القوة لدعم سياسة الاحتواء هذه عند أي شعور بوجود خطر ولو كان شعوراً خاطئاً. كما أن التاريخ الأمريكي قد تميز في النصف الاخير من القرن الماضي ومطلع القرن الحالي بسلسلة من المغامرات العسكرية فيما وراء البحار وكانت اكثر الحالات كلفةً لأمريكا هما: فيتنام وكوريا.
مبررات حشد القوات الأمريكية في الخليج ومدى معقوليتها
في ظل النظام الدولي الجديد الذي نعيشه اليوم (إما مع الإرهاب وإما مع أمريكا) تعتبر فكرة استخدام سياسة الاحتواء كأداة للحفاظ على التوازن الجيوبوليتيكي في عالم تتنافس فيه قوتان عسكريتان لم يعد لها أساس من الصحة وخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتدهور الحالة الصحية لروسيا حالياً، وقد واجه الرئيس بوش لدى إرسال قوات اضافية للخليج مشكلة المبرر الذي يقنع به شعبه لإرسال هذه القوات خاصة بعد التخلص من نظام طالبان، وتفكيك القاعدة وكان هذا المبرر هو الدفاع عن الأسلوب الأمريكي للحياة التي تهدده العراق بكل المقاييس، لقد وجد بوش أنه من الصعب عليه ان يبرر تدخله في منطقة الخليج بتأمين الحصول على نفط رخيص، وذلك في وقت ارتفعت فيه أسعار البترول بنسبة 50%، فضلاً عن أن خسائر أمريكا البشرية في حالة حدوث حرب يتوقَّع أن تكون فادحة، لذا جاء دور لجنة التفتيش الأمريكية الصنع التي أكدت وجود أسلحة في العراق قادرة على تدمير أمريكا بلمح البصر، وعلينا أن نلاحظ أن صدام حسين يقود قوة إقليمية سبق لها التورط في صراعات اقليمية مع (ايران، والكويت)، ومن السهل إقناع الآخرين بمدى الخطر الذي يمكن أن يسببه على باقي المناطق.
لذا نلاحظ أن سبعة من بين أكبر مستوردي السلاح في العالم في العقد الماضي كانت دولاً شرق أوسطية، وكان الغرب يعتبر الولايات المتحدة المصدر الرئيسي لها، أضف إلى ذلك أن منطقة الشرق الأوسط هي أغنى مناطق العالم باحتياطيات البترول والغاز الطبيعي. ويمتاز بترول الشرق الأوسط ليس فقط بوفرته، بل برخصه، إذ تقدر تكلفة إنتاج برميل البترول في الخليج بدولارين بالمقارنة بخمسة عشر دولاراً للبرميل الواحد في الاسكا.
إن صدام حسين لم يكن مرشحا لأن يكون موضع عداء للولايات المتحدة. فقد كان سجل حكم صدام قائما على التعامل بمنتهى القسوة مع الشيوعيين العراقيين والثوار الأكراد، فضلاً عن ذلك فإن صدام لم يؤثر عنه أنه نصير لفكرة الوحدة العربية أو الاشتراكية أو حتى عدم الانحياز. كما لم يشتهر عنه انه داعية إسلامي أو بطل للقضية الفلسطينية. حتى إنه في عام 1983 م منحتة أمريكا قرضاً ببليون دولار يخصص لقطاع الزراعة وذلك كدعم لموقفه ضد إيران آنذاك، بل إن الولايات المتحدة استخدمت حق الاعتراض لمنع صدور تشريع أمريكي يقضي بمعاقبة صدام لقيامه باستخدام القرض المخصص لقطاع الزراعة في شراء الأسلحة.
وفجأة حدث تحول كامل في رؤية الولايات المتحدة لصدام حسين من كونه درعاً استراتيجياً لدرء خطر الأصولية الإيرانية إلى اعتباره أخطر رجل في العالم وذلك لاحتلاله الكويت ومحاولته زعزعة الوحدة الإقليمية التي تقوم عليها المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط ،ومن ثمَّ كانت أكبر عملية حشد عسكري أمريكي في الخليج منذ حرب فيتنام، ثم كانت حرب الخليج الأولى - كما يطلق عليها البعض - ليأتي بعدها الحصار الذي استمر ثلاث عشرة سنة تقريباً والتي حاولت بها أمريكا تجريد صدام من كل الأسلحة التي ساعدته على الحصول عليها في بداية الأمر، وباقي القصة أنتم تعرفون تفاصيلها أكثر مني.
وأثناء الحصار الأمريكي البريطاني للعراق حرصت الولايات المتحدة على أن تزرع ثكناتها العسكرية في جميع مناطق آسيا تقريباً وبعض دول آوروبا، وبدأ (بوش الابن) بالترويج لسياسة الدفاع الجوي القائمة على أن تتكفل أمريكا بحماية العالم من بعضه البعض مقابل الخضوع لها بشكل كامل، ولو لاحظتم معي أن التدخلات العسكرية الأمريكية في أية منطقة في العالم كانت لسببين رئيسيين الأول وهو الأقدم: هو حماية الدولة من حاكمها الظالم وما حدث في الصومال أو فيتنام أو حتى العراق مؤخراً يعتبر مثالاً واضحاً جدا، أما السبب الثاني فهو موضة الألفية الجديدة وهو القضاء على الإرهاب، فتعريف الإرهاب لدى أمريكا هو كل ما يمكن بعد مليون سنة أن يصبح خطراً يهدد الامبراطورية، وعندما أعلن الرئيس الامريكي (أن من لايخضع لطلبات الولايات المتحدة ويعاونها على فعل ماتشاء عندما تشاء فهو مع الإرهاب والقضاء عليه يصبح ضرورة لاستقرار الحياة على سطح الكرة الأرضية).
لكن إذا كانت الولايات المتحدة هي خط الدفاع الوحيد عني فمن سيحميني منها ومن سيحميها من نفسها؟
سؤال طويل وإجابته غير موجودة حالياً في هذا العالم.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved