يلاحظ أن الإسلام وإن كانت دعوته عالمية الهدف والغاية والوسيلة يرتكزفيه الخطاب القرآني على توجيه رسالة عالمية للناس جميعاً ووصف الخالق عز وجل نفسه بأنه رب العالمين وذكر الرسول- صلى الله عليه وسلم- مقترناً بالناس والبشر جميعاً فإن حضارة الإسلام قامت على القاسم المشترك بين حضارات العالم فقبلت الآخر، وتفاعلت معه أخذا وعطاء بل ان حضارة الإسلام تعاملت مع الاختلاف بين البشر باعتباره من حقائق الكون، لذلك دعا الخطاب القرآني إلى اعتبار فوارق الجنس والدين واللغة من عوامل التعارف بين البشر، اتساقاً مع نفس المبادئ يوحد الإسلام بين البشر جميعاً رجالاً ونساء في جزئيات محددة: أصل الخلق والنشأة والكرامة الإنسانية والحقوق الإنسانية العامة ووحدة الالوهية وحرية الاختيار وعدم الإكراه ووحدة القيم والمثل الإنسانية العليا.
وتبدو الاختلافات جلية بين عالمية الإسلام ومفهوم العولمة المعاصر؛ فبينما تقوم الأولى على رد العالمية لعالمية الجنس البشري والقيم المطلقة وتحترم خصوصيته وتفرد الشعوب والثقافات المحلية ، وترتكز الثانية على عملية نفي واستبعاد لثقافات الأمم والشعوب ومحاولة فرض ثقافة واحدة لدولة تمتلك القوة المادية وتهدف عبر العولمة تحقيق مكاسب السوق لا منافع البشر.
ورغم هذه السيطرة الغربية على العولمة ومسارها إلا ان القوى المختلفة الداعية إلى الاختلاف والخصوصية الدينية والثقافية يمكنها توظيف أدوات العولمة ذاتها لمواجهته ففي قمة (سياتل) التي انعقدت في الولايات المتحدة الأمريكية ديسمبر 1999م نظّم ونسّق المؤرخون لاتفاقية الجات جهودهم عبر شبكة الإنترنت مما يدل على ان الإنسان يستطيع توظيف كل جديد في الدفاع عن هويته وذاته وإنسانيته.
|