من تلك الأرض السليبة، من أشجار الزيتون الخضراء، من تلك الآهات المخنوقة، خطت ريشته وقد غمست بدماء الأبرياء، بلغة الأرض، والإنسان.
كيف لا وهو قد وعى على أصوات الرصاص حين كان طفلاً لا يتجاوز ست سنوات؟
إنه الشاعر محمود درويش الذي ولد في قرية البروة، وقد تشرب شعره بالغزارة والعمق؛ فكانت لغته عاجّة بدقة التعبير وجمال الصور الشعرية. يقول في قصيدته الرائعة التي نظمها وهو يحمل قضية كفاحه ونكبته:
سجل.. أنا عربي
سلبت كروم أجدادي..
وأرضاً كنت أفلحها
أنا وجميع أولادي
ولم تترك لنا.. وكل أحفادي
سوى هذه الصخور
فهل ستأخذها حكومتكم.. كما قيلا؟
فالشاعر محمود درويش يمتلك أدوات التعبير المتحدي، كما يمتلك حس الشاعر المؤمن بقضية الأرض والإنسان.
ويردد:
سجل برأس الصفحة الأولى
أنا لا أكره الناس.. ولا أسطو على أحد
ولكني.. إذا ما جعت.. آكل لحم مغتصبي..
هذا جهاد الكلمة التي تسلح بها الشاعر محمود درويش في قصائده، وتمعن هذه الصيحة. وقد عبر عن مشاعره بقوله: لاجئ فلسطيني في فلسطين!
والشاعر يتصف بقوة الإحساس وبغزارة الإنتاج والعمق في العرض؛ لذا كان شعره صادقاً في التعبير عن الجرح والألم!
ويعتبر نفسه شاعراً ثورياً - كما قال في هذه القصيدة المتميزة التي أنشدت مع التأثر بها وكتابة بعض من أجوائها الملتهبة مثل البركان.
سجل.. أنا عربي
ولون الشعر.. فحمي
ولون العين.. بني
وميزاتي..
على رأسي عقال فوق كوفيّه
وكفي صلبة كالصخر.. تخمش من يلامسها
وعنواني..
أنا من قرية عزلاء منسيّة
شوارعها بلا أسماء
وكل رجالها.. في الحقل والمحجر
فهل تغضب؟!!
سجل.. أنا عربي
ما أجملها من ناقمة على الاستبداد، تدفع بها إرادة بل تصميم وحب الأرض.. بل وحمل الكلمة في فوهة البندقية، صاحب القضية مقاتل من أجل أرض وشعب شجاع لا يموت؛ حتى يسترد أرضه وعزته وأمنه!
|