* في تونس العزيزة الخضراء، وفي الأسبوع الثاني من شهر شوال 1424هـ، ديسمبر 2003م، كانت البداية مع - الحجاج بن يوسف الثقفي-، وكانت هذه السطور، التي اعتبرها تقدمة أولى للحديث الذي سيتاح لي بمشيئة الله، راجياً منه سبحانه التوفيق والسداد..
* وقد تفضل أخي الأعز الأستاذ الكبير الشاعر والناشر راضي صدوق، فأمدني بكتاب الأستاذ - هزاع بن عيد الشمري- الذي أسماه: (الحجاج بن يوسف الثقفي - وجه حضاري في تاريخ الإسلام)، وعندي أن تسميته ب (وجه جهادي) ربما كان أنسب، لأن الوجه الحضاري، كان لاحقا بعد الجهاد والنصر، والنسخة التي بين يدي طبعة ثانية، ولم يكن عليها تاريخ.!
* إن كاتبنا الأستاذ هزاع يتكىء على التاريخ، وهذا شيء طبعي إذ ليس له بديل.. ولعلي أصل إلى رأيه وتعليله لقراءته لهذا البطل، وهو من أكبر رجالات الدولة الأموية في مرحلة تأسيسها، وقد اثبت بطولته فوطد الملك الأموي بجهاده وانتصاراته، وإن كان يبدو لي من خلال الحلقات التلفازية، التي بثتها القناة الفضائية -Mbc- في شهر رمضان 1424هـ بعنوان (الحجاج) وهي أكثر من ثلاثين حلقة، ولم أر سوى حلقات معدودة، ذلك أنه لم يتح لي متابعة المسلسل من أوله، فجنحت للقراءة، وكانت البداية مع كتاب الأستاذ هزاع الشمري، يبدو لي أن الأخ هزاع اختلف في مواقف عدة، عما شاهدت عبر شاشة التلفاز، وكذلك ما تواتر عن المؤرخين، ومن ذلك ضرب الكعبة بالمنجنيق من قبل جيش الحجاج.. وأمور أخرى عارض فيها هزاع ما جاء عن المؤرخين..!
* وأريد أن أقول وأنا في أول هذا الحديث، إن كثرة من القادة العسكريين ليسوا ساسة، ولنا أن ننظر إلى الفروق في الحرب العالمية الثانية - 1939-1945م، بين وينستون تشرشل من جهة، وهتلر وموسوليني من جهة أخرى.. وفي العصر الحديث: حسني الزعيم، عبدالناصر والنميري، الزعيم الأوحد عبدالكريم قاسم ومن خلفه حتى صدام حسين، الذي دمر بلاده، بحربه لإيران، ثم احتلاله الكويت، وأخيراً التحالف الأمريكي البريطاني، الذي دمر العراق ثم احتله، وقتل ابني صدام، ثم اعتقاله وإظهاره للعالم، ذليلاً حقيرا مهزوماً في صورة حقيرة مزرية، وهذا هو مصير الطغاة الظالمين، وأمثال صدام كثير في عالمنا العربي خاصة، وقد تختلف الحال في العالم غير العربي، انطلاقاً من دراسات وثقافات ومستوى الرجولة العسكرية قبل اعتبارات أخر.!
* إن كتاب الأستاذ هزاع عن الحجاج كتاب متواضع، رغم زحمة المراجع التي حشدها الكاتب، ولعله رجع إليها كلها، لكن ما قدمه يعتبر شيئا يسيراً، بالقياس إلى دور الحجاج العريض، وصراعاته، وجهاده الطويل، وأياديه المطلقة في سبيل الانتصار والفتوحات مدة عقدين من الزمن، التي تحقق فيها استتاب الأمن في العراق، بعد قتال ضار ونزيف دماء المقاتلين المناهضين للدولة وشراستهم، خاصة الخوارج وضراوة مقاتليهم، ومن الجانب الآخر الحجاج وقياداته وجنوده الباسلون.. ثم ما أتيح له من فتوحات على يد أولئك القواد الباسلين المظفرين في السند وبلاد ما وراء النهر، والصين، إلخ.
* ولعلي أقول إن الأستاذ هزاع رجل حظيظ، حيث أتيح له طباعة كتابه مرتين، وربما تتبعهما ثالثة، ورابعة، وأكثر من ذلك .. وإذا كان الإقبال على الكتاب هو سبيل نفاد طبعته الأولى، فهذا يعني أن قومنا لهم اهتمام بهذه الشخصية القوية الجبارة، وأنهم قد جنحوا إلى قراءة أطراف من تاريخهم، ليقفوا على ما سطره الكاتبون، ربما من معطيات الظروف الحاضرة، والقلاقل في العالم، وفي منطقة الشرق الأوسط خاصة..!
* وبودي أن يفرغ الكاتب مرة أخرى، في سبيل البحث عن مصادر قوية أقرب إلى الصدق والواقع، إذا كان ذلك متاحاً، وإن كنت أشك في الوصول إلى تاريخ نقي من الدس والكيد وما يعني به الرواة، وكثير منه لا يُعبَأ به ولا يُعوَّل عليه..! ولعل الأخ هزاع قد وقف على مقولة المؤرخين التي تعلن أنه لا يوجد كلمة أخيرة في التاريخ!.
* وهل يستطيع الأخ هزاع أن يغربل ما قرأ، ويدع ما فيه شكوك وتلفيق وأخلاط لا يجمعها رابط، لأن القارىء الجاد يريد ما ينفعه وما هو أقرب إلى الحقيقة، وإن كان ذلك صعباً وعسيراً في التاريخ!؟ ولا ريب أن قيمة أي مؤلف في محتواه وتقديمه بأسلوب مشوق جذاب، يدفع إلى الإقبال عليه والإفادة منه.!
* وربما بدا لي من خلال مطالعة كتاب الأستاذ هزاع، أنه ليس دارساً، وإنما هو قارىء، ينقل إلينا شيئاً مما قرأ دون تحليل يقنع به القارىء الجاد، ودون تأمل ودرس، تبرز فيه شخصية الكاتب، ليقول لقارئه ما توصل إليه درسه ومطالعاته الكتب التي حشد عنواناتها في آخر كتابه الخفيف، ذلك أن ما صنعه الكاتب لا يجزي لنَهِم يريد الإفادة مما قرأ، وما تتطلع إليه نفسه مما يرجو من كاتبه في قضية شخصية باهرة مثل الحجاج بن يوسف الثقفي.!
* أنا لا أرفض كتاب الأستاذ هزاع، ولكني أقول إنه لا يشبع نهمي وتطلعاتي إلى كتاب أوسع وأجدي، يفيدني أكثر وأقف فيه على ما يقرب إلى الحقيقة، عن شخصية الحجاج، عبر تحليل مقنع، وليس رفض أكثر ما اطلع عليه الكاتب دون التدليل بأشياء تقنع القارىء، أما الرفض وحده لما قيل فشيء غير مُجدٍ. وقد يبدو مطلبي وأمثالي عسير المنال في قضايا التاريخ بعامة، وأن القارىء يظل عائما مع ما يقرأ، لأن الحقيقة الحقة غائبة، وعسير الوصول إليها في التاريخ البعيد، وحتى في التاريخ القريب، فإنها عسيرة لكثرة الأقوال وتضاربها، وتداخل الأهواء، ذلك أن التاريخ يوشك أن يكون كله: (مع أو ضد)!
* ولعلي أقول إن رسائل الحجاج إلى القادة الذين تحت إمرته، ربما هو ما سلم من التحريف والتغيير، أما بقية احداث الحروب والمعارك، فقد غزاها التغيير والتحريف، انطلاقاً مما خالط أمور التاريخ وأمزجة الرواة وسبل ما يصنعون ويزيفون ويخلطون ويغوصون، وتدخلاتهم في الزيف بمجريات الأمور في مسار التاريخ وتدوينه، وهم مع أو ضد، وكل ذلك قابل للتأويل والتغيير والتحريف.!
* إن التاريخ ممتع، مطالعة ورواية، غير إن الاختراق والاختلاق والزيادة والدس والحذف أفسدته، ولم يسلم من الكتب السماوية المنزلة على الرسل سوى الكتاب العزيز الذي حفظه مُنزله، فقال سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} .أما بقية الكتب التي وكلها الله إلى البشر، فقد حرفت وغيرت وعبث بها، حتى الحديث النبوي غزاه التحريف والتغيير، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كذب علي متعمدا فيتبوأ مقعده من النار). وتفسير الكتاب العزيز اندست فيه الإسرائيليات وما أكثرها .. غير أن الله بفضله قَيَّض لحديث رسوله صلى الله عليه وسلم من تصدى له من علماء المسلمين فغربلوه، وبينوا الأحاديث المكذوبة والمدسوسة، كما أبانوا التفسيرات المختلفة للكتاب العزيز، وبقي التاريخ نهباً وعرضة للزيف والعبث.
*يقول الكاتب إن أبا الحجاج: هو الذي ورد ذكره في قوله تعالى:{وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} استناداً إلى مصدره - العقد الفريد - وهذا مصدر لا يعول عليه ولا يعتد به، وما ساقه الكاتب ليس له أي تأكيد ولا حجة.!
وقد قال المفسرون، هو : عروة بن مسعود، وقيل: حبيب بن عمرو بن عمير.. وقيل هو كنانة بن عبدياليل، وقيل غير ذلك، جاء ذلك في الجزء السابع من: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، ص (241) لفضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، والآية القرآنية (31) من سورة الزخرف.!
* إن الحرب ضد الخوارج كانت كثيرة العناء للحجاج وقواده المتعددين، وكان موضع قلق للخلافة في الشام، ولولا توفيق الله ثم ذلك الجلد والصبر والمثابرة، لكانت الدائرة على جيوش الخلافة التي قادها الحجاج، ومع ذلك فقد هُِزمت بعض جيوشه التي حاربت الخوارج، غير أنه بالاصطبار وقوة البأس والإصرار على القتال تحقق بأمر الله ثم قيادة الحجاج الباسلة التي اكتسبت مرانة وخبرات، إلى جانب بسالة القائد القوي الجسور والإرادة الجادة.. وأستطيع القول إن الحجاج ليس بالرجل المقاتل كالمهلب بن أبي صُفرة وأمثاله الأبطال، إلا أن الحجاج رجل قيادة ودهاء ورؤى تقوده إلى ريادة التخطيط للحرب بإتقان ومعرفة، ثم كان معه أولئك الأبطال الذين لا يخشون الردى ولا يخافون، لأنهم أدركوا قيمة الرسالة الجهادية التي نذروا نفسوسهم لها بصدق وفداء، فكان لهم نصر الله، لتبلغ رسالة الإسلام أقاصي المشرق والمغرب، وذلك دور هذه الأمة منذ بزوغ فجر الهداية الخاتمة من جزيرة العرب، التي تلقاها رسول الله محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم.!
|