يبدو أن ثمة (مشكلا) يواجه رحلتنا من أجل رعاية الضرورات الدولية المعاصرة، التي ربما كان الأولى فيها استيعاب الآخر من بيننا، والآخر من حولنا، إضافة إلى أهمية العمل الجاد المنظم للتوجه بجدية كبيرة نحو التغيير والتطوير في كثير من أنماط حياتنا الثقافية والاجتماعية، ويتمثل هذا المشكل في الوقت اللازم والكفايات المطلوبة، للعمل وفق منظومة مؤسسية قادرة - فعلا- على تشخيص المشكل الدولي والوطني، والعمل باقتدار نوعي ومنهجي وزمني على أداء الواجب وتجاوز المرحلة بنجاح مضطرد، من أجل استمرار التميز والرقي لمجتمعنا ولوطننا الكبير. فهنا، لا بد من العمل على إعداد وتنفيذ معادلة صعبة: تكوين تلك المؤسسات المتطورة جداً، وقيام تلك المؤسسات بدورها الفعلي دون تأخير أو عوائق. وفي انتظار ان يتم ذلك في جميع مؤسساتنا المجتمعية، لا بد من عمل شيء ما، فإذا كان تشكيل المؤسسة المجتمعية بحاجة إلى سلسلة من العمليات الفنية والإدارية التي قد تطول كثيرا عندنا، فقد يكون تطوير الذات وامتلاك المهارات الشخصية اللازمة يحتاج فقط إلى محاولة جادة لاكتشاف تلك الذات والعمل على المشاركة المجتمعية وفق منظومة فردية قوامها: المصلحة الوطنية.
معظم الناس لديهم كفايات فردية معينة قادرة على إحداث تغيير مهم على الصورة العامة للمستوى المجتمعي، ولكن تحتاج هذه الكفاية -فقط- إلى شحذها وتوجيهها لخدمة المستقر والمتفق عليه من مكونات المصلحة الوطنية العليا.
لم تتشكل الحضارات الإنسانية المادية المزدهرة، نتيجة عمل المؤسسات وحسب، ولكن أيضا نتيجة العمل والمنتج الفردي الذي يقدم صورة واضحة عن مركبات مهمة فاعلة في النسيج المجتمعي، أن نكون (سعوديين) فهذه سمة مجتمعية، لكن أن أكون (سعوديا) فهذه أمانة أحملها بصفتي الفردية، وهي أمانة عظيمة عليّ أداؤها في كل مظاهر ومخابر تفاعلاتي اليومية مع الكون والحياة فيه. كيف أكون فرداً فاعلا في نقل صورة جيدة عن واقعي الفردي المنعكس -بالضرورة- على كياننا المجتمعي المؤسسي (السعودية)؟ سؤال عظيم، قد يكون من المهم جدا ان يطرحه السعودي على نفسه كل صباح، وأن يضمنه وِرْد الصباح، حين يسأل الله خير هذا اليوم وخير ما فيه وخير ما بعده، قد يكون من اليسير على المرء أن يتحرى الصواب في قوله وفعله الفرديين، إن هو قصد الصواب. لكن، قد تكون الحاجة إلى وقت أطول من أجل أن تتفق المؤسسات على مفهوم محدد للخطأ والصواب. ومن هنا، يسوغ التوجه الجاد لإعداد ذواتنا السعودية إعدادا جيدا يليق بها باعتبارها حاملة لصفة (سعودي)، تلك السمة الكبيرة التي تعني الأرض، والبلد، والأهل، والحمى، والعزة، والكرامة، في منظومة مجتمعية متسقة متكاملة مع أسرتنا العربية والإسلامية الكبيرة، ومع أصدقائنا في العالم.
ذلك، هو الدور العظيم الذي يمكن للأفراد ان يقوموا به، حين أصبح دور المؤسسات في قائمة الانتظار الذي نتطلع إلى ألاّ يطول كثيراً.
عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام
|