صورة الرجل النزيه في أدبيات إعلامنا.. صورة لا تحرض على النزاهة أبداً..
ولا تعطي مؤشراً بأفضلية المبادئ والمحافظة عليها..
تظهر الأفلام والمسلسلات الرجل - المبدأ.. أنه رجل يعيش خارج التاريخ..
وأنه غير قادر على الحراك الاجتماعي.. وغير قادر على الركض.. ويكره أبناؤه مثالياته لأنها لا (تؤكلهم عيشاً) في زمن لم تعد للمبادئ قيمة مقابلة في أرصدة البنوك والشهرة وواجهات اللمعان..
** هي الحقيقة صورة كئيبة للمواطن العادي الذي تطرق رأسه آلاف المطارق الاقتصادية وتحرضه على أن يحيد إلى الطريق الآخر لكي ينتفخ مثل المنتفخين.. ولكي يصبح بالونة مستهلكة من الخواء والببغائية والتحليق في أجواء معبأة بالبالونات المتشابهة المتزاحمة التي تكرِّر ذات العبارات المغوية والمضادة لكل مبدأ وقيمة..
والمقياس هو كم الأرصدة التي تدخل جيبك.. وكم الفلاشات التي تُضاء حولك..
** الموظف الشريف.. مطحون حتى لو كان وزيراً.. والتاجر النزيه خاسر..
** والمعلم المثالي.. صوت واحد وشاذ في زمرة أصوات تهمل في واجبها وتطمع في درس خصوصي دائم..
** والمثقف النزيه.. تتكدَّس أوراقه في الأدراج، حيث إنه غير قادر على ركوب الموجة وإعطاء قلمه لوناً يتناسب مع كل مرحلة..
** هذه الصورة المثيرة للانهزامية..
تدفع بالمقابل الأجيال إلى النظر للمُثل والقيم على أنها مفردات إنشائية مجردة ومجوَّفة.. وهي مجرد ظاهرة صوتية عفا عليها الزمن.
وأن المؤكِّدون عليها يجرون الناس إلى التخلف والجمود والتوقف تحت أشجار الزيزفون وترديد عبارات الرافعي والمنفلوطي التي لم تعد تليق بزمن لا بد فيه من قياس الأشياء.. كل الأشياء.. بكم المكاسب المادية.
** هذه الصورة الانهزامية المنمطة لرجل المُثل والقيم المطحون والمستكين.
هي التي أبرزت وأعلت أصوات التفاهة وعمَّمت ثقافة كشف المستور وإلغاء الخصوصية وإذابة الحواجز بين البشر عبر برامج خاوية وتافهة مثل هذا الذي تعرضه القنوات..
وتتحلَّق حولها الأسر لمراقبة صوفيا وبشار وهما يتعاطيان المشاعر المؤقتة والمعلبة لكي تزداد الاتصالات وتنتفخ الجيوب.. وكلما تماسَّاً أكثر.. تضاعفت الاتصالات .. وتضاعفت الأرصدة في البنوك.
** لم يعد أحد مهزوماً ومطحوناً.. الكل يدير محرك القنوات لكي يرى بسعادة ويشارك في التضليل الثقافي.. لم يتخلف أحد عن المشاركة.. طوال الشوارب..
مع مدرسات الدين ومشرفات الإرشاد.. مع طلاب الثانويات وطالبات الابتدائي.. مع الموظفين وربَّات البيوت..
** الكل يريد أن يهرب من صورة الشريف المطحون المكتئب الجالس على حافة جدار خارج حراك الحياة..
الكل يركض وبأعلى سرعته.. عاضَّاً على ثوبه.. يكشف عن ساقيه أكثر كلما أحسَّ أن الناس ربما تركته خلفها ودخلت بوابات جديدة..
فيخشى الوحدة.. والبقاء خارج أسوار الحياة.. فيركض.. ويركض.. و...
4530922 |