Monday 1st March,200411477العددالأثنين 10 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

مفاهيم خاطئة تتعلق بالأمراض النفسية وعلاجاتها والمعالجين النفسيين مفاهيم خاطئة تتعلق بالأمراض النفسية وعلاجاتها والمعالجين النفسيين

لدى بعض الناس مفاهيم خاطئة عن الأمراض النفسية وعلاجاتها التي يمكن أن نذكر منها: فهم الأمراض النفسية على أنها تلك التقلبات اليسيرة في المزاج والشعور بحزن وكآبة وقلق وخوف، وأن هذه أمور يمكن السيطرة عليها والتخلص منها تماماً دون الحاجة إلى خدمات الطب النفسي والدخول في دهاليزه والتورط في أدويته. والبعض يُدخل في ذلك أمراض النفوس المتعارف عليها في علم الأخلاق والسلوك والتي تسمى أمراض القلوب من الكِبر والعُجب والخُيلاء ونحو ذلك ويظن أنها هي فقط الأمراض النفسية المقصودة التي يتحدث عنها الأطباء ويسعون لعلاجها.
*- اعتبار المرض النفسي وصمة عار وعيباً في الشخص ويعكس خللاً ما في دينه و سلوكه وأخلاقه، أو عقوبة إلهية سلطها الله على هذا الشخص بسبب تقصيره في دينه وأنه لو كان صالحاً مستقيماً لما أصابته أية علة نفسية لأن المؤمن بمعزل عن هذه الاضطرابات والعلل، هذا المفهوم الخاطئ مبني على تصورات عاطفية وبعض المفاهيم الاجتماعية الجائرة، وإلا فالأمراض النفسية والعقلية كغيرها من الأمراض والعلل والمصائب التي قد يبتلي الله تعالى بها العبد المطيع والمقصّر العاصي - بل وحتى الكافر الضال- ، وهذا هو المشاهد في الواقع، فما أكثر الأخيار الذين يبتلون بمثل ذلك وما أشد معاناتهم إذا تجنّبهم الناس بناء على مثل هذه التصورات الخاطئة.
لاشك أن للإيمان وقوة الاتصال بالله تعالى دوراً كبيراً في قوة النفس وصبرها وتحملها وحمايتها من كثير من العلل التي تعترضها،وتخفيفها وزوالها بعد وقوعها، ولكن لا يعني هذا أن الشخص إذا أصابه قلق أو حزن أو نحو ذلك - وما أكثر أسباب ذلك اليوم- أن ينسب ذلك إلى تقصيره في الدين ونحو ذلك.
*- اعتبار المرض النفسي جنوناً (مهما كان يسيراً أوعارضاً) ومعاملة المريض من هذا المنطلق (مجنون «مهبول») فينبذ ويعزل عن المجتمع ويتوجس منه ويرتاب في عقله وقد يحرم حقوقه الاجتماعية والمادية وغيرها.
*- عدم مراجعة الأطباء النفسيين خوفاً من وصمة العار والعيب والاتهام بالجنون، وابتعادا عن الأدوية النفسية التي كثيراً ما يظن أنها مخدرات.
وقد تستمر المعاناة النفسية زمناً طويلاً وتزداد يوماً بعد يوم فيتوغل المرض النفسي في نفس المريض وشخصيته وعقله ويمتد أثره الى أهله ومن حوله وعمله وقد يخدع المرض نفسه بتكرار الذهاب للمعالجين بالرقية والتنقل بينهم لعلهم يكتشفون فيه سحراً أو عيناً أو مساً مع علمه وقناعته الداخلية بخلّوه من ذلك ولكن هرباً من مواجهة المحيط الاجتماعي ولوم الضمير، وتجنباً للطب النفسي.
*- تعميم السحر والمس والعين على كل علة نفسية وعقلية وإغفال دور العوامل الأخرى أيا كانت اجتماعية أو تربوية أو نفسية أو وراثية.
وقد يكون ذلك مع وعي المريض وإدراكه، ولكن لصعوبة الاعتراف بالمرض النفسي وما يترتب على ذلك من تبعات يلقي الشخص بمصيبته على غيره، ويسقطها على السحر أو المس أو العين لسهولة تقبل المجتمع لهذه الأعذار لما لها من رصيد ديني واجتماعي شائع.
وما أكثر أولئك الذين يزعمون أنهم ربطوا عن زوجاتهم بسحر، أو إصابتهم عين أقعدتهم وأعاقتهم، وعند التمحيص والتدقيق في أحوالهم وأوضاعهم النفسية والاجتماعية تجتمع قرائن كثيرة وقوية تدل على علل نفسية وهرب من الواقع ومواجهة النفس.
وقد شاهدت - وشاهد زملاء المهنة- الكثير من ذلك.
*- محاولة تقسيم الأمراض النفسية والعقلية إلى قسمين محدودين:
*- قسم يكون بسبب سحر أو مس أو عين ويعالج بالعلاجات النفسية فقط وقسم لاعلاقة له بذلك لقد لمست هذه المحاولة في عدد من المعالجين بالرقية والمهتمين بها وهؤلاء يغيب عن أذهانهم أن هذه الأسباب غيبية، وأن الرقية ليست محصورة في المس والسحر والعين وأن العلاجات النفسية تفيد في علاج الأعراض ولو كانت الحالة ناتجة عن عين ونحوها.
*- قصر التداوي من العلل النفسية على الرقية فقط وإهمال التداوي بالعلاجات المباحة من أدوية وغيرها وهذا أكثر ما يكون من المعالجين بالرقية وبعض المرضى المتدينين وهو مخالف لمقاصد الشريعة التي أباحت التداوي بالمباح سواء للعلل الجسدية أو النفسية ويشهد على هذا حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - :(التلبية مجمة لفؤاد المرض تذهب ببعض الحزن) والتلبية: نوع من الطعام.
*- توهم التعارض بين العلاجات الدوائية (إبر وحبوب ونقط) والرقية وأن الرقية لا تؤدي دورها إلا بعد ترك الأدوية النفسية.
*- قصر الاستفادة من الرقية الشرعية على أناس معينين دون غيرهم والسعي إليهم ولو كانوا في بلدة بعيدة وقليلي علم وورع وتصور أن الرقية من هؤلاء لها شأن مختلف لامتلاكهم مميزات خاصة، لا بأس أن يرقى المسلم أخاه فينفعه بذلك أو أن يذهب الشخص لمن يتوسم فيه الصلاح والتقى فيطلب منه الرقية ولكن الأولى أن يرقى المسلم نفسه بنفسه ويطلب الشفاء من الله تعالى مباشرة وهذا أدعى للقبول والاستجابة وهذا ما كان عليه السلف وما يؤكده العلماء في القديم وفي عصرنا هذا.
*- اعتبار الأدوية النفسية من قبيل المخدرات والمسكرات المحظورة شرعاً وعقلاً وعرفاً، أو أنها تسبب الإدمان ولا يمكن التخلص منها وأنها متى تركت رجعت الحالة أشد مما كانت. وهذا التصور شائع جداً حتى عند الأطباء (غير النفسيين) ممن يجهلون حقيقة الأدوية النفسية، أو لايعرفون سوى أنواع قديمة كانت تستخدم في الماضي ولها آثارها المضرة الكثيرة التي تفوق محاسنها وبعضها يسبب التعود. والواقع أن كثيراً من الأدوية النفسية -خاصة الجديدة منها- هي أخف ضرراً من كثير من الأدوية الأخرى المنتشرة كحبوب منع الحمل وحبوب الضغط ونحو ذلك.
*- اعتبار المعالجة بالجلسات الكهربائية صعقاً كهربائياً خطيراً يتلف الدماغ ويؤلم المريض ويؤدي إلى نتائج خطيرة. وهذا المفهوم الخاطئ ناتج عن الجهل بطبيعة هذا النوع من العلاج وقصر فهمه على اسمه حيث يتبادر إلى الذهن عند سماع كلمة الكهرباء تيار الكهرباء (خط 200 فولت مثلاً وأثره الخطير). وليس الأمر كذلك والواقع أن هذا النوع من العلاج من أيسر العلاجات النفسية وأقلها ضرراً وآثاراً وأكثرها تأثيراً نافعاً وخاصة في حالات الاكتئاب الشديد وبعض حالات الفصام ويشهد لذلك واقع مئات الحالات التي تحسنت بهذا العلاج في شتى أنحاء العالم.

(*) استشاري وأستاذ مشارك في الطب النفسي / كلية الطب / بجامعة الملك سعود


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved