قرأتُ ما كتبه الأخ عبدالله بن بخيت في صحيفة الجزيرة في يوم الأربعاء 22 من ذي القعدة 1424هـ تحت عنوان (كاتب إسلامي أم كاتب مسلم؟). ولي على الأخ بعض الملاحظات والتنبيهات، وأرجو منكم نشرها بُغية الخير والتناصح والوصول إلى الحق، وجُزِيتُم عنَّا خيراً. والصراحة أنني قرأتُ الموضوع عدة مرَّات حتى أفهم منه شيئاً آخر غير الذي فهمتُهُ في المرة الأولى، ولكن مع الأسف الشديد لم أفهم إلا الشيء نفسه، وهو أنه ينتقد الدعاة المسلمين، وينتقد دعوة المسلمين أنفسهم، وأن الدعوة إلى الله لا تُوَجَّهُ إلى المسلم أصلاً، بل تُوَجَّهُ لغير المسلمين؛ ليدخلوا في الإسلام.
أخي في الله، إذا كان فهمي صحيحاً، وهذا ما تقصده أنت، فلي بعض الأسئلة، وأرجو أن توصلك الإجابة عنها إلى ما أردتُ إيصاله إليك عبر هذه السطور، وأرجو لي ولك وللقرَّاء التوفيق لما يرضي الله جل وعلى. أسئلتي هي:
أليس من المسلمين مَن يرتكب الذنوب والمعاصي، بل الكبائر؛ مثل: الرياء وعقوق الوالدين والغيبة والنميمة؟ ألا يجب على الدعاة أن ينكروا على هؤلاء ويزجروهم عن ذلك؟ بل إن بعض المسلمين لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه، فهم مسلمون اسماً فقط، فهم لا يُصلُّون، ويكفيهم في نظرهم شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وهذا خطأ فادح. ومن المعلوم أن ترك الصلاة كفر -نعوذ بالله من ذلك- ورُبَّما خرج بعضهم من الدين وهو لا يشعر، بكراهة شيء من أحكام الشريعة، أو بالاستهزاء بالمستقيمين أو بمظهر من مظاهرهم؛ كإعفاء اللحية، وتقصير الثوب للرجال، ولبس الحجاب الإسلامي المحتشم بالنسبة للمرأة، وما إلى ذلك...
أخي في الله، بعد ما ذكرتُ ألا ترى أنه يجب على الدعاة - وينبغي أن نكون كلنا كذلك- أن يوجهوا الناس ويرشدوهم إلى الطريق المستقيم؟! فإن استقاموا فذلك ما نريد، وإن أَبَوْا فذلك إليهم، ولا تَزِرُ وازرةٌ وزر أخرى، وقد برأت ذمة الداعية.
أخي في الله، ألا ترى أن الذي يسخر بمظهر من مظاهر الاستقامة - كما أسلفتُ- عنده خلل في العقيدة وأيضاً ظاهرة التكفير كذلك؟! ثم إن الدعوة إلى الله ليست محصورة بدعوة غير المسلمين إلى الإسلام، بل إن الداعية يدعو المقصِّر إلى الاستقامة، ويدعو المسيء إلى الإحسان.
وقلْتَ: (أنا لستُ كاتباً إسلامياً؛ لأني لم أتخصَّص في العلوم الإسلامية)، وقلْتَ أيضاً: (لا بد إذاً أن نَفْصِل بين تبصير الناس في أمور دينهم بالفتاوى العلمية وبين إرهاب الناس بالمقالات والكاسيتات والمطويات والتجمعات في الاستراحات وغيرها). فهمتُ من كلامك أنك تعترض على شيئين؛ أولهما: أن يدعو إلى الله مَن لم يتخصص في العلوم الإسلامية، ثانيهما: أن يلجأ الداعية إلى أسلوب التخويف والترهيب. إذا كان فهمي صحيحاً، وهذا ما أُرجِّحه، فأقول: يا أخي، بالنسبة للأول خطأ؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال (بَلِّغُوا عنِّي ولو آية)، وقال أيضاً: (مَن دعا إلى هُدًى فله من الأجر مثلُ أجور مَن تَبِعَهُ). ولم يربط ذلك بدراسات أو تخصصات إسلامية. وقد رأينا من الدعاة مَن لهم أسلوبهم المميز والمؤثر والمقبول لدى عامة الناس وهم أصلاً أطبَّاء ولم يتخصَّصوا في العلوم الإسلامية؛ لأنه من المفترض أن يكون المسلم على علم وفقه في دينه، على الأقل الشعائر الواجبة والأمور المحرمة؛ مثل: الصلاة والزكاة والصوم والإخلاص والحذر من الرياء وما إلى ذلك. أما بالنسبة للشيء الثاني، فأقول: أليس نبيُّنا -عليه أفضل الصلاة والتسليم- وعظ موعظة وَجِلَتْ منها القلوب، وذرفت منها العيون كما قال صاحبه رضي الله عنه؟! هذه الموعظة التي أخافت الصحابة رضي الله عنهم، فوَجِلَتْ منها قلوبهم، وذرفت منها عيونهم، متى قِيلَتْ؟ إنها في زمن الصحابة الذين هم خير البشر بعد الأنبياء، وفي خير القرون كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فكيف بعصرنا هذا الذي رأينا فيه من المعاصي وإدبار الناس عن ربهم ما يَنْدَى له الجبين، ويحزن له القلب، وتدمع له العين؟! ثم إن بعض الناس لا ينفع معه الترغيب، ولا تبصير الناس في أمور دينهم بالفتاوى العلمية كما تقول؛ لأنهم لا يستفتون، ولا يقرأون الفتاوى، ولا يحضرون مجالس الذكر، فلا بد هنا من تخويفهم مما يستحق ذلك، ألا وهو عذاب الله الذي أعدَّه للكافرين والفاسقين والمُعْرِضِين عن ذكره، نعوذ بالله من ذلك.
أخي الفاضل، إن عذاب الله يستحق أن نخاف منه، ونخوِّف منه إخواننا، سواء عذاب القبر أو عذاب النار. وقد يعذب في القبر وفي النار المسلم بسبب المعاصي والكبائر، فهل الأفضل أن ندعو الناس إلى الصراط المستقيم، ونخوفهم من عذاب الله حتى يجتنبوا المعاصي، أم نتركهم حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون؛ فيندمون، ولكن هناك لن ينفع الندم؟! كم من الناس مَن استفاد من هذا الأسلوب؛ أسلوب التخويف، وأنا منهم، فجزا الله دُعاتنا خير الجزاء، وبارك في جهودهم، وسدَّد على طريق الخير خُطاهم، وجعلنا وأخانا الكاتب نسير في هذا الطريق الذي هو طريق نبيِّنا -صلى الله عليه وسلم- وأتباعه، كما قال الله جل وعلا: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي .... الآية}. والله من وراء القصد.
فهد حمدان الحربي - بريدة |