كثير من المنازل إن لم يكن كلها لا تخلو من حلقات حوار شبه يومية أو مسائل تحتاج إلى حوار بين أفراد الأسرة وبشكل مستمر أحيانا.
إلا أن الشكل المتوقع لهذه الحوارات يختلف من أسرة إلى أخرى، فهناك من الأسر الذين تعودوا على أن يتم الحوار بين أفراد الأسرة حول موضوع ما بصيغة حوارية جميلة تخرج نتائجها بشكل جميل وبفوائد تربوية عظيمة تفيد كافة أفراد الأسرة، بل تربيهم على الأسلوب الحواري الجميل والبنَّاء وتعمِّق مع ذلك العلاقة بين أفراد الأسرة الواحدة وتبعد عنه الجفاء والخوف من عرض الأفكار وطرحها على بعضهم البعض، وهناك اسر تكون الحوارات بينهم مقتصرة فقط على الكبار دون الصغار أو دون مشاركتهم ولو بمنحهم الإحساس بالمسؤولية أو بوجودهم ضمن أفراد الأسرة أو تكون مقتصرة أحيانا على الرجال دون النساء حتى ولو كان الأمر يتعلَّق بكافة أفراد الأسرة، وهذا رغم أنه قليل إلا أنه يظل موجودا لدى بعض الأسر، وهناك من الأسر التي تربت على الديكتاتورية في كل شيء؛ فلا حوار ولا نقاش على أي موضوع فيكون هناك إنسان يفرض رأيه على الجميع وبكل قوة فيضطر الجميع إلى قبوله على ما فيه من علل أو حتى لو كان غير مناسب بسبب عدم القدرة على مواجهة هذا الديكتاتور الذي لسان حاله يقول (ما أريكم إلا ما أرى)، والأمر خصوصا مع الأطفال يجب أن يتخذ منهجا تعليميا تربويا، حتى يتمكن الطفل من التعبير عن رأيه، ويتعلَّم المناقشة والحوار بأسلوب جميل لا بالأساليب التي نعرفها الآن عندما يضطر مجموعة من الناس إلى الحديث عن أمر ما بينهم فيتحول من خلاله النقاش إلى صراع وصراخ وفرض رأي بالقوة ومحاولة السيطرة على الجميع بقوة الحجة واللسان مهما كان الرأي خطأً أو غير مقبول.
هناك سؤال قد تصعب عليه الإجابه:
هل نمنح أبناءنا التعبير عن آرائهم في منازلنا، والاستماع إلى حججهم وأفكارهم ونعطيهم الفرصة للتعبير عما بداخلهم من آراء؟
أعتقد أنه سيكون هناك مراوغة من كثير من الناس للهروب من الإجابة الصريحة عن هذا السؤال، في مجالس كثير من الناس قد لا يعطى الكبير الفرصة للتعبير فكيف بالصغير، ولكن في المنازل يجب أن نروِّض أنفسنا ونعلمها الصبر على الأطفال عندما يريدون أن يعبِّروا عن شيء أو يطرحوا فكرة أو أفكاراً مهما كانت درجة فائدتها أو نضوجها أو حتى لو كانت مضحكة، فالطفل يعبر بحسب تحصيله من الحياة ولم يمر بما مر به الأب أو الأخ الأكبر من التجارب العميلة في ميدان الحياة وإنما يعبِّر عما يعرفه أو يتقنه أو يطرأ على فكره من خيالات وأفكار.
طفل المدرسة الابتدائية طفل في سن التحصيل عقل متفتح لاستقبال أي شيء وكل شيء ولا يفرق بين النافع والضار إلا ما مر عليه في الماضي واستفاد منه، وكذلك فإن الأطفال يكونون دائماً الأكثر تعرضاً للآثار النفسية المترتبة على نوع التعامل معهم، وذلك لتمتعهم بخيال خصب يدعم كل رد فعل ناتج عن نوع المعاملة والتعامل معهم.
هل نناقشه في المواضيع التي تهمه ونعطيه الفرصة للتعبير والحوار؟؟
قلة هم الذين يفعلون ذلك؛ لأن في عقول الآباء أن هذا الطفل لا يمكن أن يدرك المصلحة المرجوة حتى نفتح له باب الحوار والمناقشة ولا فائدة من إبداء رأيه أو طرحه، ولو أننا فعلنا ذلك لغرسنا فيه من الصغر تعلُّم التعبير وإبداء الرأي واحترام الآخرين ولم نترك أفكاره تبقى في رأسه مكبوتة متراكمة لا يجد من يستمع إليه حتى تؤثِّر عليه في الكبر فيتحوَّل إلى الديكتاتورية وحب التسلط أو إلى الانطواء والوحدة وعدم القدرة على التعبير وإبداء الرأي أو حتى الحديث العادي، الحديث هنا عن الطفل مهما كان طفلاً أو طفلة كلاهما إنسان له عقله وله صفته التي خلقه الله عليها فلا يجب أن يتم التفريق بينهما إلا بالحدود الشرعية التي يقوم عليها منهج الحياة.
متى نعطي الأبناء الفرصة للتعبير ؟؟
إذا كان الأمر متعلقاً بهم شخصياً أو بأمر يخصهم يجب أن يكون لهم الحق في المشاركة، بل في قبول الرأي الصادر عنهم حتى ولو كان خطأ في نظر الكبار إذا كان لا يؤثِّر تأثيراً يكون معه ضرر على الأسرة وذلك حتى تكون التجربة
واقعية ومفيدة لهم ليستفيدوا منها الدروس والعبر، أما إذا كان الأمر متعلقاً بشأن من شؤون الأسرة فيعطى الصغار الفرصة للتعبير وإبداء الرأي حتى لو لم يؤخذ به ولكن لا يهملون إهمالاً يوجد لديهم الإحساس بالازدراء والنفي ويوضح لهم بالشرح والإقناع الصواب من الخطأ، حتى نزرع في نفوسهم مبدأ الحوار والمناقشة وقبول الرأي والرأي الآخر.
ويبقى السؤال بعد ذلك هل نفتح باب الحوار الصريح بما تحمله هذه الكلمة من
معنى للصراحة مع الأبناء في كل شيء، وهل نجيب على أسئلتهم مهما كانت ونعطيهم الفرصة للتعبير وإبداء الرأي ؟؟
لا أدري هل الإجابة بنعم أم بلا ؟؟ أما بالنسبة لي فبنعم، مع شيء من التحفظ بالنسبة للصغار جدا ومع من وصل إلى سن التمييز فبنعم وبقوة.
ولكن يجب أن نتفهم عقول الأطفال وننزل بفكرنا إلى مستوى تفكيرهم وأفكارهم حتى ندرك ما يريدون التعبير عنه ومستوى فهمهم لنتمكَّن من التعامل معهم ومع أفكارهم بحكمة تمكِّنهم من قبول ما يعرض عليهم أثناء الحوار سواء كان مخالفاً لفكرهم أو موافقاً له.
ثم إنه يجب أن نعي أن التعامل معهم بقسوة وبرفض كل أفكارهم قد يؤدي إلى هدم كيانهم وإصابتهم بأمراض نفسيه قد تؤدي بهم إلى كثير من المشاكل المستقبلية, أو قد ندمر عقولهم بسبب ترسيب هذه القسوة والرفض لهم وتأثيرها عليهم في المستقبل, ولذلك يجب أن نفتح معهم آفاقاً جميلة ونساعدهم على بناء عقولهم وتربيتها تربية سليمة صحيحه.
dhaherali@hotmail. com |